قال الإمام الحليمي: وينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مميزا، يرفق في موضع الرفق، ويعنف في موضع العنف، ويكلم كل طبقة من الناس بما يعلم لأنه أليق بهم، وأسمع فيهم، وأن يكون غير محابٍ، ولا مداهن، وأن يُصلح نفسه أولا، ويقومها، ثم يقبل على إصلاح غيره وتقويمه قال الله تعالى:(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) . وعن محمد بن النضر قال: ذُكر رجل عند الربيع بن خثيم قال: ما أنا عن نفسي براضٍ فأتفرغ من ذمها إلى ذم غيرها إن العباد خافوا الله على ذنوب غيرهم وأمنوه على ذنوب أنفسهم. ٍ
[السلطان الذي يتعاطى الفواحش ووظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
قال الحليمي: والسلطان الذي يتعاطى الفواحش يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ لأن السلطنة على هذا؛ فلو انقبضت عنه لم يكن سلطانا وليس من دونه في هذا بمثله؛ لأن القيام بهذا الأمر إنما يعتزله عن إمساك السلطان عنه لعلمه وصلاحه، فإذا اختار صلاحه فقد صار مستحقا للتغيير فلا يكون مع ذلك مغيراً على غيره. وفي البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يا رسول الله، والله لأن تأمرن بالمعروف، وتنهين عن المنكر حتى لا يبقى من المعروف شيء إلا أمرتنا به، ولا يبقى من المنكر شيء إلا نهيتنا عنه، لا نأمر أحداً بمعروف ولا ننهى عن منكر، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كله ". قال الحسن البصري: يريد أن لا يظفر الشيطان منكم بهذه الخصلة وهو أن لا تأمروا بالمعروف حتى يأتوا به كله، يعني أن هذا يؤدي إلى حسم باب الحسبة فمن الذي يعصم عن المعاصي. عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه جاءه رجل فقال: يا بن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر قال: أو بلغت ذلك؟ قال: أرجو. قال: فإن لم تحسن أن تفتتح بثلاثة أحرف من كتاب الله عز وجل: (أتأمرون الناس بالبر) الآية احتكمت هذه الآية؟ قال: لا قال: فالحرف الثاني قوله تعالى: (لم تقولون مالا تفعلون) الآية احتكمت هذه الآية؟ قال: لا قال: فالحرف الثالث قال: قول العبد الصالح: (وما أريد أن أخافكم إلى ما أنهاكم عنه) احتكمت هذه الآية؟ قال: لا قال: فابدأ بنفسك!
[بيان من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفساد]
عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل الواقع في حدود الله، والمداهن فيها كمثل قوم استهموا في سفينة فأصاب بعضهم سفل وأصاب بعضهم علو فكان الذين في السفل يستقون للذين في العلو، فيمرون عليهم فيؤذونهم فقال الذين في العلو: آذيتمونا تصبون علينا الماء فأخذوا فأساً فجعلوا يحفرون بالسفينة فقال الذين في العلو: ما تصنعون؟! فإن تركوهم وما يرون غرقوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً " أخرجه البخاري في صحيحه. وأخرج البيهقي عن أبي أمامة فال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ". وله عن أبي ذر وفيه " فأوصاني أن أقول الحق ولو كان مرا ". وعن حذيفة قال:" الإسلام ثمانية أسهم: فالإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، وصوم رمضان سهم، والحج سهم، والجهاد سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، وقد خاب من لا سهم له ". وعن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أوحى الله إلى جبريل عليه السلام أن اقلب مدينة كذا وكذا بأهلها قال: فقال: يا رب إن منهم عبدك فلاناً لم يعصك طرفة عين قال: اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط ". وعن مالك بن فضالة قال: اصطلحنا على حب الدنيا فلا يأمر بعضُنا بعضا، ولا ينهي بعضُنا بعضاً ولا يذر ذا لله - عز وجل - على هذا فليت شعري أي عذاب ينزل! وعن ابن عباس في قوله تعالى:(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) قال: " يدفع بمن يصلي عمن لا يصلي، وبمن يحج عمن لا يحج، وبمن يزكي عمن لا يزكي ". وعن بلال بن سعد قال:" إن المعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها، وإذا أعلنت فلم تغير أضرت بالعامة ". وقال:" إن من غفلتك عن نفسك وإعراضك عن الله تعالى أن ترى ما يسخط الله فتتجاوزه لا تأمر فيه ولا تنهى خوفا مما لا يملك لك ضرا ولا نفعا ". وقال:" من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخافة المخلوقين نزعت منه الطاعة، ولو أمر ولده أو بعض مواليه لا يستخف بحقه ".