للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحملهن من وادي الأراك فأومضت ... لهن بأطراف العيون المدامع

فما رضن ربع الدار حتى تشابهت ... هجائنها والجون منها الخواضع

وحتى حملن الحور من كل جانب ... وخاضت سدول الرقم منها الأكارع

فلما إستوت تحت الخدود وقد جرت ... عبير وسك بالعرانين رادع

أشرن بأن حثوا الجمال فقد بدا ... من الصيف يوم لافع الحر مانع

فلما لحقنا بالخمول تباشرت ... بنا مقصرات غاب عنها المطامع

تعرضين بالدل المليح ران يرد ... جناحهن مشغوف فهن موانع

فقلت لأصحابي ودمعي مسبلٌ ... وقد صدع الشمل المشتت صادع

أليلى بأبواب الخدور تعرضت ... لعينيّ أم قرن من الشمس طالع

أخبرني عيسى بن الحسين الورَّاق قال. حدثنا الهيثم بن فرَّاس قال: حدثني العمري عن الهيثم بن عدي أن أبا المجنون حج به ليدعو الله عز وجل في الموقف أن يعاقبه فسار معه غبن عمه زياد بن كعب بن مزاحم فمرّ بحمامة تدعو على أيكة فوقف يبكي فقال له زياد: أي شيء هذا ما يبكيك ايضاً، سر بنا نلحق الرفقة فقال.

أن هتفت يماً بوادٍ حمامة بكيت ولم يعذرك بالجهل عاذر

دعت ساق حرّ بعدما علت الضحى ... فهاج لك الحزان إن ناح طائر

نعيّ الضحى والصبح في مر حجنة ... كثاف الأعالي تحتها الماء حائر

كأن لم يكن بالغيل أو بطن أيكة ... أو الجزع من تول الأشاءة حاضر

يقول زياد إذ رأى الحي هجروا ... أرى الحي قد ساروا فهل أنت سائر

وإني وإن غال التقادم حاجتي ... ملم على أوطان ليلى مناظر

أخبرني إبن أبي الأزهر عن محمد بن عبد الله البكري عن موسى بن جعفر إبن أبي كثير، وأخبرني عمي عن إبن شبيب عن الهروي عن موسى بن جعفر عن إبن أبي كثير. وأخبرني إبن المرزبان عن إبن الهيثم عن العمري عن العتبي، قالوا جميعاً: كان المجنون وليلى وهما صبيان يعيان غنماً لأهلهما عند جبل في بلادهما يقال له التوباد، فلما ذهب عقله وتوحش كان يجيء إلى ذلك الجبل فيقيم به، فإذا تذاكر أيام كان يطيف هو وليلى به جزع جزعاً شديداً فهام على وجهه حتى يأتي نواحي الشأم فإذا ثاب إليه عقله رأى بلد لا يعرفه فيقول الناس الذين يلقاهم بأبي أنتم اين التوباد من أرض بني عامر فيقال له وأين أنت من أرض بني عامر، أنت بالشأم، عليك بنجم كذا فأمه، فيمضي على وجهه نحو ذلك النجم حتى يقع بأرض اليمن فيرى بلاداً ينكرها وقوماً لا يعرفهم فيسألهم عن التوباد وارض بني عامر فيقولون وأين أنت من أرض بني عامر، عليك بنجم كذا وكذا، فلا يزال كذلك حتى يقع على التوباد، فإذا رآه قال في ذلك:

وأجهشت للتوباد حين رأيته ... وكبّر الرحمن حين رآني

وأذرفت له دمع العين حين عرفته ... ونادى بأعلى صوته فدعاني

فقلت له قد كان حولك جيرة ... وعهدي بذاك الصرم منذ زمان

فقال مضوا واستودعوني بلادهم ... ومن ذا الذي يبقى على الحدثان

وإني لأبكي اليوم من حذري غدا ... فراقك والحيان مجتمعان

سجالاً وبهتاناً ووبلاً وديمةً ... وسحاً وتسجلماً وتنهملان

أخبرني عمي عن إبن شبيب عن هرون بن موسى القروي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير قال: قال المجنون:

خليليّ لا والله لا أملك الذي ... قضى الله في ليلى ولا ما قضى ليا

قضاها لغيري وأبتلاني بحبها ... فهلا بشيء غير ليلى إبتلانيا

سلب عقله.

وحدثني جحظة عن ميمون بن هرون عن إسحق الموصلي أنه لما قالهما برص.

قال موسى بن جعفر في خبره المذكور: وكان المجنون يسير مع أصحابه فسمع صائحاً يصيح يا ليلى، في ليلة ظلماء، أو توهم ذلك، فقال لبعض من معه: أما تسمع هذا الصوت، فقال: ما سمعت شيئاً، قال: والله هاتف يهتف ليلى.

ثم أنشأ يقول:

اقول لأدنى صحابيَّ كليمة ... أسرت من الأقصى أجب ذا المناديا

إذا سرت في أرض الفضاء رأيتني ... أصانع رحلي أن تميل حباليا

<<  <   >  >>