حدثنا عبد الله بن شبيب عن الحزامي عن محمد بن معن قال: بلغني أن رجلاً من بني جعدة بن كعب كان أخاً وخِلاً للمجنون مرّ به يوماً وهو جالس يخط في الأرض ويعبث بالحصى سلم عليه وجلس عنده فأقبل يخاطبه ويعظه ويسليه وهو ينظر إليه ويلعب بيده كما كان وهو مفكر قد غمره ما هو فيه، فلما طال خطابه إياه قال: يا أخي: أما لكلامي جواب، فقال له: والله يا أخي ما علمت أنك تكلمني، فأعذرني فإني منا ترى مذهوب العقل مشترك اللب.
وبكى ثم أنشأ يقول:
وشغلت عن فهم الحديث سوى ... ما كان منك فإنه شغلي
وأديم حظ محدثي ليرى ... إن قد فهمت وعندكم عقلي
الغناء علوية. وقال الهيثم: مر المجنون يراد في أيام الربيع وحمامه يتجاوب فأنشأ يقول:
ألا يا حمام الأيك ما لك باكياً ... أفارقت إلفاً أم جفاك حبيب
دعاك الهوى والشوق لما ترنمت ... هتوف الضحى بين الغصون طروب
تجاوب ورقا قد أذن لصوتها ... فكل لكل مسعد ومجيب
الغناء لرداد ثقيل أولمطلق في مجرى الوسطى.
وقال خالد بن حمل: حدثني رجال من بني عامر أن زوج ليلى وأباها خرجا في أمر طرق الحي إلى مكة فأرست ليلى بأمة لها إلى المجنون فدعته فأقام عندها ليلة فأخرجته في السحر وقالت له: سر إليّ في كل ليلة ما دام القوم سفراً، فكان يختلف إليها حتى قدموا.
وقال فيها في آخر ليلة لقيها وودعته:
تمتع بليلى إنما أنت هامة ... من إلهام يدنو كل يوم حمامها
تمتع إلى أن يرجع الركب أنهم ... متى يرجعوا يحرم عليك كلامها
وقال الهيثم: مض المجنون قبل أن يختلط فعاده قومه ونساؤهم ولم تعده ليلى فيمن عاده فقال:
ألا ما لليلى لا تُرى عند مضجعي ... بليل ولا يجري بها لي طائر
بلى إن عجم الطير تجري إذا جرت ... بليلى ولكن ليس للطير زاجر
أحالت عن العهد الذي كان بيننا ... بذي الرمث أم قد غيبتها المقابر
الغناء لسليم ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي.
ومن قوله:
فو الله ما في القرب لي منك راحة ... ولا البعد يسليني ولا أنا صابر
ووالله ما أدري بأية حيلة ... وأي مرام أو خطار أخاطر
ووالله إن الدهر في ذات بيننا ... عليّ لها في كل أمر لجائر
فلو كنت إذا زمعت هجري تركتني ... جميع القوى والعقل مني وافر
ولكن أيامي يجفل عنيزة ... وذي الرمث أيام حناها التجاور
فقد أصبح الود الذي كان بيننا ... أماني نفس أن تخبر خابر
لعمري لقد أرهقت يا أم مالك ... حياتي وساقتني إليك المقادر
أخبرني عمي قال: حدثني محمد بن عبد الله الأصبهاني المعروف بالحزنبل عن عمرو بن أبي عمو الشيباني ن أبيه قال: قال حدثني بعض ني عقيل قال: قيل للمجنون: أي شيء رأيته أحب إليك، قال ليلى، قيل دع ليلى فقد عرفنا ما لها عندك ولكنت سواها، قال: والله ما أعجبني شيء قط فذكرت ليلى إلا سقط من عيني وأذهب ذكرها بشاشته عندي، غير أني رأيت ظبياً مرة فتأملته وذكرت ليلى فجعل يزداد في عيني حسناً، ثم وهرب منه فتبعته حتى خفيا عني وجدت الذئب قد صرعه وأكل بعضه رميته بسهم فما خطأت مقتله وبقرت بطنه فأخرجت ما أكل منه ثم جمعته إلى بقية شلوه ودفنته وأحرقت الذئب وقلت في ذلك:
أبى أن تبقى لحي بشاشة ... فصبراً على ما شاءه الله لي صبرا
رأيت غزالاً يرتعي وسط روضة ... فقلت أرى ليلى تراءت لنا ظهرا
فيا ظبي كل رغداًَ هنيئاً ولا تخف ... فإنك لي جارٌ ولا ترهب الدهرا
وعندي لكم حصن حصين وصارم ... حسام إذا أعملته أحسن الهبرا
فما راعني إلا وذئب قد إنتحى ... فأعلق في أحشائه الناب والظفرا
ففوقت سهمي في كوم غمزتها ... فخالط سهمي مهجة الذئب والنحرا
فأذهب غيظي قتله وشفى جوى ... بقلبي إن الحر قد يدرك الوترا
قال أبو نصر: