للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فضحكت فقال لي: ممّ تضحك، قلت من شرف قائل هذا الشعر وشرف من عمل اللحن فيه وشرف مستمعه، قال: وما ذاك، قلت: الشعر فيه للرشيد والغناء لعلية بنت المهدي وأمير المؤمنين مستمعه.

فأعجبه ذلك وما زال يستعيده.

حدثني إبراهيم بن محمد بن بركشة قال: سمعت شيخاً يحدّث أبي وأنا غلام فحفظت عنه ما حدثه به ولم أعرف إسمه قال: حدثني إسحق بن إبراهيم الموصلي قال: عملت في أيام الرشيد لحناً وهو:

سقياً لأرض إذا نمت نبهني ... بعد الهدّو بها قرع النواقيس

كأن سوسنها في كل شارقة ... على الميادين أذناب الطواويس

قال: فأعجبني مراراً وعملت على أن أباكر به الرشيد فلقيني في طريقي خادم لعلية بنت المهدي فقال: مولاتي تأمرك بدخول الدهليز لتستمع من بعض جواريها غناء أخذته عن أبيك وشكّت فيه الآن، فدخلت معه إلى حجرة قد أفردت لي كأنها كانت معدة فجلست وقدّم لي طعام وشراب فنلت حاجتي منهما.

ثم خرج خادم فقال لي: تقول لك مولاتي أنا أعلم أنك قد غدوت إلى أمير المؤمنين بصوت قد أعددته له محدث فاسمعنيه ولك جائزة سنية تتعجلها، ثم ما يأمر به لك بين يديك ولعله لا يأمر لك بشيء ولا يقع الصوت منه بحيث توخيت فيذهب سعيك باطلاً. فأندفعت فغنيتها إياه ولم تزل تستعيده مراراً، ثم أخرجت إلي عشرين ألف درهم وعشرين ثوباً وقالت: هذه جائزتك، ولم تزل تستعيده مراراً.

وقال إسمعيل بن عمار يخاطب إحدى الجواري:

هل من شفاء لقلب لج محزون ... صب يغيب إلى ريم إبن رامين

إلى ربيحة إن الله فضلها ... بحسنها وسماع ذي أفانين

وهاج قلبي منها مضحك حسن ... ولثغة بعدرائي وفي سين

نفسي تأبى لكم إلا طواعية ... وأنت تأبين لوماً أن تطيعيني

وتلك قسمة ضيزى قد سمعت بها ... وأنت تتلينها ما ذاك في الدين

إن تسعفيني بذاك الشيء أرضَ به ... وإن ضننت به عني فعينيني

أنت الطبيب لداء قد تلبس بي ... من الجوى فأنفثي في فيّ وأرقيني

نعم شفاؤك منها أن تقول لها ... أضنيتني يوم دير الملح فأشفيني

يا ربُ إن إبن رامين له بقرٌ ... عينُ وليس لنا إلا البراذيني

لو شئت أعطيته مالاً على قدر ... يرضى به منك عين الربرب العين

لا أنس سعدة والزرقاء يوم هما ... بالبلح شرقية وق الدكاكين

يغنيان إبن رامين على طرب ... للمسجعي تشتيت المحبين

أذاك أنعم أم يوم ظللت به ... فراشي الورد في بستان شورين

يشوي لنا الشيخ شورين دواجنه ... بالجرد تاجٍ وشجاع الشعانين

تسقي طلاء لعمران يعقبه ... يمشي الأصحاء منه كالمجانين

تنزل أقدامنا من بعد صحتها ... كأنها ثقلاً تقلعن من طين

نمشي وأرجلنا مطوية شللاً ... مشي الأوز التي تأتي من الصين

أو مشي عميان عمٌ لا دليل لهم ... سوى العصي إلى يوم السعانين

في فتية من بني تيم لهوت بهم ... تيم بن مرة لا تيم العديين

حمر الوجوه كانا من تحشمنا ... حسناء شمطاء وافت من فلسطين

يا عائذ الله لولا أنت من شجتي ... لولا إبن رامين لولا ما يمنيني

في عائذ الله بيت ما مررت به ... إلا وجئت على قلبي بسكين

يا أسد القبة الخضراء أنت لنا ... أنس لأنك في دار إبن رامين

ما كنت أحسب الأسد تؤنسني ... حتى رأيت إليك القلب يدعوني

لو لاك تؤنسني بالقرب ما بقيت ... نفسي إليك ولو مثلت من طين

وقال أحد الشعراء:

أشارت طرف العين خيفة أهلها ... إشارة محزون ولم تتكلم

فأيقنت أن الطرف قد قال مرحباً ... وأهلاً وسهلاً بالحبيب المسلم

وأبرزت طرفي نحوها لأجيبها ... وقلت لها قول إمريء غير مفحم

هنيئاً لكم قتلي وصفو مودتي ... وقد سيط في لحمي هواك وفي دمي

<<  <   >  >>