بكيت الصبا جهدي فمن شاء لامني ... ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا
وإني وإن أغرقت في طلب الصبا ... لأعلم أني لست في الحب أوحدا
إذا كنت عزهاة عن اللهو والصبا ... فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا
قال، فغنتا يزيد فيه، فلما غنتا ضرب خيزرانته الأرض وقال صدقتما صدقتما، على مسلمة عنة الله وعلى ما جاء به قال: فطرب يزيد فقال: هاتيا فغنّاه من هذه القصيدة:
وعهدي بها صفراء رود كأما ... نضا عرق منها على اللون مجسدا
مهفهة الأعلى واسفل خلقها ... جرى لحمه ما دون أن يتخددا
من المدمجات اللحم دلى كأنها ... عنان صناع مدمج الفتل محصدا
كأن ذكي المسك بادٍ وقد بدت ... وريح خزامى ظله ينفح الندا
طرب يزيد وأخذ فيه من الشراب قدره الذي كان يطرب منه ويسرّه ولم يره أظهر شيئاً مما كان يفعله عند طربه فغنته:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلدا
نظرت رجاء بالموقر أن أرى ... أكاديس يحتلون خاخاً فنشدا
فأوفيت في نشز من الأرض يافع ... وقد ينفع الإيفاع من كان مقصدا
لما غنته بهذا طرب طربه الذي تعهده وجعل يدور ويصيح الدخن بالنوى والسمك في بيطار جنان وشق حلته وقال لها: أتأذنين أن أطير، قالت: وإلى من تدع الناس قال إليك قال: وغنته سلامة من هذه القصيدة:
فقلت ألا يا ليت أسماء أصغيت ... وهل قول ليت جامع ما تبددا
وإني لأهواها وأهوى لقاءها ... كما يشتهي الصادي الشراب المبردا
علاقة حب لج في سنن الصبا ... فأبلى وما يزداد إلا تجددا
سهوب وأعلام تخال سرابها ... إذا إستن في القيظ الملاء المعمدا
قال: وغنته حبابة منها أيضاً:
كريم قريش حين ينسب والذي ... أقرت له بالملك كهلاً وأمردا
وليس عطاء منه ألان بمانع ... وإن جلّ من أضعاف أضعافه وأمردا
وليس عطاء منه ألان بمانع ... وإن جلّ من أضعاف أضعافه غدا
أهان تلاد المال في الحمد أنه ... أمام هدى يجري على ما تعودا
تردّى بمجد من أبيه وأمه ... وقد أورثا بنيان مجد مشيدا
فقال لها يزيد: ويحك يا حبابة ومَن من قريش قال هذا، قالت أنت، قال من يقول هذا الشعر، قالت: الأحوص يا أمير لمؤمنين، وقالت سلامة فليسمع أمير المؤمنين باقي ثنائه عليه فيها. ثم إندفعت تغنيه:
ولو كان بذل الجود والمال مخلدا ... من الناس إنساناً لكنت المخلدا
فأقسم لا أنفك ما عشت شاكراً ... لعماك ما طار الحمام وغرّدا
أخبرني إسماعيل قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني علي بن أجعد قال: حدثني أبو يعقوب الخزيمي عن أبي بكر بن عياش أن حبابة وسلامة إختلفتا في صوت معبد
ألا حي الديار بسعد إني ... أحب لحب فاطمة الديارا
فبعث يزيد إلى معبد فأتى فسال لِمَ بعث إليه فاخبر فقال لأيتهما المنزلة عند أمير المؤمنين فقيل لحبابة، فلما عرضتا عليه الصوت قضى لحبابة فقالت سلامة: والله ما قضى إلا للمنزلة وإنه ليعلم أنّ الصواب ما غنيت ولكن أئذن لي يا أمير المؤمنين في صلته لأن له عليّ حقاً قال قد أذنت فكان ما وصلته به أكثر من حبابة.
وقيل:
ألا حيّ الديار بسعد إني ... أحب لحب فاطمة الديارا
إذا ما حل أهلك يا سلمى ... بدارة صلصل شحطوا الديارا
الشعر لجرير والغناء لإبن ثقيل أو بالسبابة في مجرى البنصر. أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عمر بن شبة قال: نزل الفرزدق على الأحوص حين قدم المدينة فقال له الأحوص: ما تشتهي قال: شواء وطلاء وغناء، قال: ذلك لك، ومضى به إلى قينة بالمدينة فغنته:
ألا حي الديار بسعد إني ... أحب لحب فاطمة الديارا
أراد الظاعنون ليحزنوني ... فهاجوا صدع قلبي فأستطارا