فأصابت ما في نفسه فقال إحتكمي فقالت سلامة تهبها لي ومالها، قال: أطلبي غيرها فأبت، فقال: أنت أولى بها ومالها، فلقيت سلامة من ذلك أمراً عظيماً فقالت لها حبابة لا ترين إلا خيراً فجاء يزيد فسألها أن تبيعه إياها بحكمها فقالت أشهدك أنها حرة وأخطبها إليّ الآن حتى أزوجك مولاتي.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني إسحق عن المدائني بنحو هذه وقال فيها فجزعت سلامة فقالت لها لا تجزعي فإنما ألاعبه.
قال:
حلق من بني كنانة حولي ... بفلسطين يسرعون الركوبا
هزئت إن رأيت مشيبي عرسي ... لا تلومي ذوائبي أن تشيبا
الشعر لإبن قيس الرقيات والغناء لإبن سريج ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحق.
قال حماد بن إسحق: حدثني أبي عن المدائني وأيوب بن عبابة قالا: كانت سلامة المتقدمة منهما في الغناء وكانت حبابة تنظر إليها بتلك العين فلما حظيت عند يزيد ترفعت عليها فقالت لها سلامة: ويحك، أين تأدية الغناء وحق التعليم، أنسيت قول جميلة لك خذي أحكام ما أطارحك إياه من سلامة فلن تزالي بخير ما بقيت لك وكان أمر كما مؤتلفاً، قالت: صدقت يا خليلتي، والله لا عدت إلى شيء تكرهينه فما عادت لها إلى مكروه وماتت حبابة وعاشت سلامة بعدها دهراً.
قال المدائني: فرأى يزيد يوماً حبابة جالسة فقال: مالك فقالت أنتظر سلامة قال تحبين أن أهبها لك قالت لا والله ما أحب أن تهب لي أختي.
قال المدائني: وكانت حبابة إذا غنت وطرب يزيد قال لها أطير فتقول له فإلى من تدع الناس فيقول إليك والله تعالى أعلم.
أخبرني إسمعيل بن يونس قال: حدثنا مر بن شبة قال: حدثني أيوب بن عبابة أن البيذق الأنصاري القاريء كان يعرف حبابة ويدخل عليها بالحجاز، فلما صارت إلى يزيد بن عبد الملك وأرتفع أمرها عنده خرج إليها يتعرض لمعروفها ويستميحها، فذكرته ليزيد، وأخبرته بحسن صوته قال: فدعاني يزيد ليلة فدخلت عليه وهو على فرش مشرفة قد ذهب فيها إلى قريب من ثدييه وإذا حبابة على فرش آخر مرتفعة وهي دونه فسلمت فرد السلام وقالت حبابة: يا أمير المؤمنين هذا أبي، وأشارت إليّ بالجلوس فجلست، وقالت لي حبابة إقرأ يا أبتي فقرأت، فنظرت إلى دموعه تنحدر ثم قالت: أبتي حدّث أمير المؤمنين وأشارت علي أن غنّه، فأندفعت في صوت إبن سريج:
من لصب مصيد ... هائم القلب مقصد
فطرب والله يزيد، فحذفني بمدهن فيه فصوص من ياقوت وزبرجد فضرب صدري فأشارت إليّ حبابة إن خذه فأخذته فأدخلته كمي فقال: يا حبابة، ألا ترين ما صنع بنا أبوك أخذ مدهنناً فأدخله في كمه فقالت: يا أمير المؤمنين ما أحوجه والله إليه.
ثم خرجت من عنده فأمر لي بمائة دينار.
من لصب مصيد ... هائم القلب مقصد
أنت زودته الضنا ... بئس زاد المزود
ولو أني لا أرتجيك ... لقد خف عوّدي
ثاوياً تحت تربة ... رهن رمس بفدفد
غير أني أعلل النفس باليوم أو غد
الشعر لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان، وذكر الزبير بن بكر أنه لجعفر بن الزبير والغناء لإبن سريج خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى، وقال حماد حدثني أبي عن مخلد بن خداش وغيره أن حبابة غنت يزيد صوتاً لإبن سريج وهو قوله:
ما أحسن الجيد من ملكية واللبات إذ زانها ترائبها
طرب يزيد وقال: هل رأيت أحداً أطرب مني قلت بعم إبن لطيار معاوية بن عبد الله بن جعفر فكتب فيه إلى عبد الرحمن بن الضحاك فحمل إليه فلما قدم أرسلت إليه حبابة إنما بعث إليك لكذا وكذا وأخبرته: فإذا دخلت عليه فلا تظهرن طرباً حتى أغنيه الصوت الذي غنيته فقال سوأة على كبر سني فدعا به يزيد على طنفسه جز ووضع لمعاوية مثلها فجاؤوا بجامين فيهما مسك فوضعت إحداهما بين يدي يزيد والأخرى بين يدي معاوية فقال فلم أدرِ كيف أصنع فقلت أنظر كيف يصنع فأصنع مثله، فكان يقلبه فيفوح ريحه، وأفعل مثل ذلك، دعا بحبابة فغنت، فلما غنت ذلك الصوت أخذ معاوية الوسادة فوضعها على رأسه وقام يدور وينادي الدخن بالنوى يعني اللوبيا، قال: فأمر له بصلات عدة دفعات إلى أن خرج فكان مبلغها ثمانية آلاف دينار.
أخبرني إسماعيل بن يونس قال: