أخبرني الزبير بن أبي بكر عن ظبية أن حبابة غنت يوماً بين يدي يزيد فطرب ثم قال لها: هل رأيت قط أطرب مني قالت: نعم مولاي الذي باعني، فغاظه ذلك، فكتب في حمله مقيداً، فلما عرف خبره أمر بإدخاله إليه فادخل يرسف في قيده وأمرها فغنت بغتة:
تشط غداً دار جيراننا ... ولدار بعد غد ابعد
فوثب حتى ألقى نفسه على الشمعة فأحرق لحيته وجعل يصيح: الحريق يا أولاد الزنا، فضحك يزيد وقال: لعمري هذا أطرب الناس، فأمر حل قيوده ووصله بألف دينار، ووصلته حبابة وردّه إلى المدينة.
أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدثنا عمر بن شبة قال: قال إسحق كان يزيد بن عبد الملك قبل أن تقضي إليه الخلافة تختلف إليه مغنية طاعنة السن تدعى أم عوف وكانت محسنة فكان يختار عليها:
متى أجر خائف تسرح مطيته ... وأن أخف آمناً تغلق به الدار
سيروا إليّ وأرخوا من أعنتكم ... أني لكل أمريء من وتره جار
فذكرها يزيد يوماً لحبابة وقد كانت أخذت عها فلم تقدر أن تطعن عليها إلا بالسن فقالت:
أبى القلب إلا أم عوف وحبها ... عجوزاً ومن يحبب عجوزاً يفند
فضحك وقال لمن هذا الغناء، فقالت لمالك، فكان إذا جس معها للشرب يقول: غنني صوت مالك في أم عوف.
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني عمر بن شبة قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن الحرث العدوي قال: حدثني عمر بن أبي بكر المؤتلي قال: حدثني أبو غانم الزدي قال: نزل يزيد بن عبد الملك ببيت راس بالشام ومعه حبابة فقال: زعموا أنه لا تصفو لأحد عيشه يماً إلى الليل إلا يكدرها شيء عليه وسأجرب ذلك، ثم قال لمن معه: إذا كان غد فلا تخبوني بشيء ولا تأتوني بكتاب. وخلا هو وحبابة فأتيا بما يأكلان فأكلت رمانة فشرقت بحبه منها فماتت، فأقام لا يدفنها ثلاثاً حتى تغيرت وأنتنت وهو يشمها ويرشفها، فعاتبه على ذلك ذوو رابته وصديقه وعابوا عليه ما يصنع وقالوا قد صارت جيفة بين يديك حتى أذن لهم في غسلها ودفنها، وأمر فأخرجت في نطع وخرج معها لا يتكلم حتى جلس على قبرها، فلما دفنت قال: أصبحت والله كما قال كثير:
فإن يسيل عنك القلب أو يدع الصبا ... فباليأس نسلو عنك لا بالتجلد
وكل خليل راءني فهو قائل ... من أجلك هذا هامة اليوم أو غد
فما أقام إلا خمس عشرة ليلة حتى دفن إلى جنبها.
أخبرني أحمد فقال: حدثني عمر قال: حدثني أسحق الموصلي قال: حدثني الفضل بن الربيع عن أبيه إبراهيم بن جبلة بن مخزوم عن أبيه مسلمة بن عد املك قال: ماتت حبابة فجزع عليها يزيد فجعلت أواسيه وأعزيه وهو ضارب بذقته على صدره ما يكلني حتى رجع، فلما بلغ إلى بابه إلتفت إليّ فقال:
فإن تسلْ عنك النفس أو تدع الصبا ... فبالبأس تسلو عنك لا بالتجلد
ثم دخل بيته فمكث أربعين يوماً ثم هلك.
قال: وجزع عليها في بعض أيامه فقال: أنبشوها حتى أنظر إليها فقيل تصير حديثاً، فرجع فلم ينبشها.
وقد روى المدائني أنه إشتاق إليها بعد ثلاثة أيام من دفنه إياها فقال: لا بد أن تنبش، فنبشت وكشف له عن وجهها وقد تغير تغيراً قبيحاً، فقيل له: يا أمير المؤمنين إتقِ الله، ألا ترى كيف صارت، فقال: ما رأيتها قط أحسن منها اليوم، أخرجوها، فجاءه مسلمة ووجوه أهله فلم يزالوا به حتى أزالوه عن ذلك ودفنوها وأنصرف فكمد كمداً شديداً حتى مات فدفن إلى جانبها.
قال إسحق: وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله الشغافي عن العباس بن محمد أن يزيد بن عبد الملك أراد الصلاة على حبابة فكمه مسلمة في أن لا يخرج وقال: أنا أكفيك الصلاة عليها، فتخلف يزيد ومضى مسلمة حتى إذا مضى الناس إنصرف مسلمة وأمر من صلى عليها.
وروى الزبير عن مصعب بن عثمان عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: