دخل إبن مناذر المسجد الجامع بالبصرة فوقعت عينه على غلام مستند فخرج وإلتمس غلاماً ورقعة ودواة فكتب إليه أبياتاً مدحه بها وسأل الغلام الذي إلتمسه أن يوصل الرقعة إلى الفتى المستند إلى السارية فذهب بها إلى الغلام، فلما قرأها قلبها وكتب على ظهرها يقول:
مثل إمتداحك لي بلا ورق ... مثل الجدار بني على خص
ألذ عندي من مديحك لي ... سود النعال ولين القمص
فإذا عزمت فهيء لي ورقاً ... فإذا علت أستعصي
فلما قرأها إبن مناذر قام إليه فال له: ويلك، أنت أبو نواس، قال نعم، فسلم عليه وتعانقا وكان ذلك أول المودة بينهما.
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثني أبو حاتم قال: إجتمع أبو العتاهية ومحمد بن مناذر فقال له أبو العتاهية: يا أبا عبد الله كيف أنت في الشعر قال: أقول في الليلة إذا سنح القول لي وأتسعت القوافي عشرة أبيات إلى خمسة عشر، فال له أو العتاهية: لكني لو شئت أن أقول الليلة ألف بيت لقلت، فقال إبن مناذر: أجل والله إذا أردت أن أقول مثل قولك:
ألا يا عتبة الساعة ... أموت الساعة الساعة
قلت ولكنني لا أعوّد نفسي مثل هذا الكلام الساقط ولا أسمح لها به، فخجل أبو العتاهية وقام يجر رجله.
أخبرني به الحسن بن علي قال: حدثنا إبن مهرويه قال: حدثني سهل إبن محمد أبو حاتم ن يعقوب بن المنير إبن أخت أبي بكر الأصم، قال إبن مهرويه، وحدثني به يحيى بن الحسن الربيعي عن غسان بن الفضل قال: إجتمع أبو العتاهية وإبن مناذر فأجتمع الناس إليهما وقالوا هذان شيخا الشعراء، فقال أو العتاهية لإبن مناذر: يا أبا عبد الله، كم تقول في اليوم من الشعر، وذكر باقي الخبر مثل المتقدّم سواء.
أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا العباس بن ميمون طائع قال: سمعت الأصمعي يقول: حضرنا مأدبة ومعنا أبو محرز خلف الأحمر وحضها إبن مناذر فقال خلف الأحمر: يا أبا محرز إن يكن النابغة وأمرؤ القيس وزهير قد ماتوا فهذه أشعارهم مخلدة فقس شعري إلى شعرهم وأحكم فيها بالحق، فغضب خلف ثم أخذ صفحة مملوءة مرقاً فرمى بها عليه فملأه فقام إبن مناذر مغضباً، وأظنه هجاه بعد ذلك.
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثنا مر بن شبة قال: حدثنا حماد الأرقط قال: لقيني إبن مناذر بمكة فأنشدني قصيدته: كل حيّ لاقى الحمام فمود، ثم قال لي: أقريء أبا عبيدة السلام وقل له يقول لك إن مناذر إتقِ الله وأحكم بين شعري وشعر عدي بن زيد ولا تقل ذلك جاهلي وهذا إسلامي وذاك قديم وهذا محدث فتحكم بين العصرين ولكن أحكم بين الشعرين ودع العصبية. قال: وكان إبن مناذر ينحو نحو عدي بن زيد في شعره ويميل إليه ويقدمه.
أخبرني لحسن بن علي قال: حدثنا إبن مهرويه قال: حدثني محمد بن عثمان الكزيري قال: أخبرني محمد بن الحجاج الجرداني قال: قلت لإبن مناذر مَن أشعر الناس، قال من كنت في شعره، فقلت عليّ ذاك فقال عدي بن زيد، وكان ينحو نحوه في شعره ويقدمه ويتخذه إماماً.
قال أبو الحسن، ولدت بانة من عبد الوهاب بن عبد المجيد، أولاده عبد المجيد وأبا العاصي وزياداً وزياد الذي عناه أبو نواس في قوله يشبب بجنان:
جفن عيني كاد يسقط من طول ما إختلج
وفؤادي من حر ... حبك قد كاد أو نضج
خبريني فدتك نفسي ... متى الفرج
كان ميعادنا خرو ... ج زياد فقد خرج
قال إبن عمارة قال لي النوفلي في هذه الأبيات غناء حلو مليح لو سمعته لشربت عليه أربعة أرطال. قال النوفلي: وكان لعبد الوهاب إبن يقال له محمد كلن أسن ولده ويقال أنه كان يتعشق بانة إبنة أبي العاص هذه إمرأة أبيه وأن زياد بن عبد الوهاب منه وكان أشبه الناس به.
حدثني إبن عمار قال: