حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبي قال: خرج إبن مناذر يوماً من صلاة التراويح وهو في المسجد بالبصرة وخرج عبد المجيد بن عبد الوهاب خلفه فلم يزل يحدثه إلى الصبح وهما قائمان إذا إنصرف عبد المجيد شيعه إبن مناذر إلى منزله فإذا بلغه وأنصرف إن مناذر شيعه عبد المجيد لا يطيب أحدهما نساً بفراق صاحبه حتى أصبحا فقيل لعبد الوهاب بن عبد المجيد بن مناذر قد أفسد إنك فقال أو ما يرضي إبني أن يرضى به إبن مناذر، وفي عبد المجيد يقول إبن مناذر يمدحه وهو من مختار ما قاله فيه أنشدنيها علي بن سليمان الأخفش عن محمد بن زيد من قصيدة أولها:
شيّب ريب الزمان رأسي ... لهفي على ريب ذا الزمان
يقدح في الصم من شروري ... ويحذر الصم من أبان
يقول فيها يمدح عبد المجيد:
متى إلى الماجد المرجى ... عبد المجيد الفتى الهجان
خير ثقيف أبا ونفساً ... إذا إلتفت حلقتا البطان
نفسي فداء له وأهلي ... كل مل تملك اليدان
كأن شمس الضحى وبدر ... الدجى عليه معلقان
نيطا معاً فوق حاجبيه ... والبدر والشمس يضحكان
مثمر همه المعالي ... ليس برث ولا بوان
بنى له عزة ومجداً ... في أزل الدهر باليان
فاسأله مما حوت يداه ... يهتز كالصارم اليماني
أن تلقاه من ثقيف ... ومن ذرا الأزد غير بان
أخبرني عمي قال: حدثني عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني أبو توبة صالح ب محمد قال: مرض عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي مرضاً شديداً بالبصرة وكان إبن مناذر ملازماً له يمرضه ويتولى أمره بنفيه لا يكله إلى أحد فحدثني بعض أهلهم قال: حضرت يوماً عنده وقد أسخن له ماء حار ليشبه وأشتد به الأمر فجعل يقول آه بصوت ضعيف فغمس إبن مناذر يده في الماء الحار وجعل يتأوه مع عبد الحميد ويده حترق حتى كادت يده تسقط فجذبناه وأخرجناها من الماء وقلنا له: أمجنون أنت، أي شيء هذا، أينتفع به ذاك فقال أساعده وهذا جهد من مقل، ثم إستقل من علته تلك وعوفي مدة طويلة ثم تردى من سطح فمات فجزع عليه جزعاً شديداً حتى كاد يفضل أهله وأخوته في البكاء والعويل وظهر منه ن الجزع ما عجب الناس له ورثاه بعد ذلك بقصيدته المشهورة فرواها أهل البصرة ونبح بها على عبد المجيد وكان الناس يعجبون بها ويستحسنونها.
أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم النوشجاني قال: سمعت أبي يقول حضرت سفيان بن عيينة يقول لإبن مناذر أنشدني ما قلت في عبد المجيد فأنشده قصيدته الطويلة الدالية قال سفيان بارك الله فيك فلقد تفردت بمراثي أهل العراق فأخبرني عمي قال: حدثني أبو هفان قال: قال الجماز: تزوج عبد المجيد امرأة من أهله فأولم عليها شهراً يجتمع عنده في كل يوم وجوه أهل البصرة وأدباؤها شعراؤها فصعد ذات يوم إلى السطح رأى طنباً من أطناب الستارة قد إنحل فأكب عليه ليشده فتردى على رأسه ومات من سقطته ما رأيت مصيبة قط كانت أعظم منها ولا أنكأ للقلب.
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني الحسن بن عليل العنزي قال: حدثني العباس بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان قال: حدثني محمد بن عمر اخزار قال: قال لي إبن مناذر: ويحك، لست أرى نساء ثقيف ينحن على عبد المجيد نياحة على إستواء قلت: فما تحب قال تخرج معي حتى أطارحك فطارحني القصيدة التي يقول فيها:
أن عبد المجيد يوم تولى ... هدّ وقد كنت بركن أنوء منه شديد
قال: فما زلت حتى حفظتها ووعيتها ووضعتها لحناً، فلما كان في الليلة التي يناح بها على عبد المجيد فيها صلينا العشاء الآخرة في المسجد الجامع ثم خرجنا إلى دارهم وقد صعد النساء على السطح ينحن عليه فسكتن سكتة لهنّ فأندفعنا أنا وهو ننوح عليه فلما سمعننا أقبلن يلطمن ويصحن حتى كدن ينقلبن من السطح إلى أسفل من شدة تشرفهنّ علينا وإعجابهن بما سمعنه منا وأصبح أهل المسجد ليس لهم حديث غيرنا وشاع الخبر بالبصرة وتحدث به الناس حتى نقل من مجلس إلى مجلس.
وأخبرني الحسن بن علي قال: