فما إستعضنا خليلاً عنك يحبنا ... ولا إستفدنا حبيباً منك يغنينا
ولو صبا نحونا من أفق مطلعه ... بدر الدجى لم يكن حاشاك يصبينا
أولي وفاء وإن لم تبذلي صلة ... فالطيف يقنعنا والذكر يكفينا
وفي الجواب شفاءٌ لو شفعتِ به ... بيضَ الأيادي التي ما زالت ولينا
ولإبن زيدون في ولاّدة مقطعان حسان، كقوله:
وأهاً لعطفك والزمان كأنما ... صُبغت نضارته ببرد صباك
والليل مهما طال قصَّر طوله ... هاتي، وقد غفل الرقيب، وهاكِ
أما مني نفسي فأنت جميعها ... يا ليتني أصبحت بعض مناك
يدني مثالكِ حين شطَّ به النوى ... وهمٌ أكاد به أقبِّل فاكِ
وله:
بيني وبينك ما لو شئت لم يضعِ ... سر إذا ذاعت الأسرار لم يذع
يا بائعاً حظه مني ولو بُذلت ... لي الحياة بحظي فيه لم أبعِ
وله أيضاً:
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقاً ... والأفق طلقٌ ووجه الروض قد راقا
ولنسيم إعتلالٌ في أصائله ... كأنما رقّ لي فأعتل إشفاقا
والنهر عن مائه الفضيّ مبتسمٌ ... كما حللتَ عن اللبات أطواقا
يومٌ كأيام لذاتٍ لنا إنصرمت ... بتنا لها حين نام الدهر سرَّاقا
نلهو بما يستميل العين من زَهر ... جال الندى فيه حتى مال أعناقا
كأن أعينه إذ عاينت أرقى ... بكت لما بي فجال الدمع رقراقا
وردٌ تألق في ضاحي متابته ... فازداد منه الضحى في العين إشراقا
سرى ينافحه نيلوفرٌ عبقٌ ... وسَنان نبّه منه الصبح أحداقا
كلٌ يهج لنا ذكرى تشوقنا ... إليك لم يعدُ عنا الصدر إن ضاقا
لو كان وفيّ المنى في جمعنا بكم ... لكان من أكرم الأيام أخلاقا
لا سكَّن اله قلباً عن ذكركم ... فلم يطر بجناح الشوق خقاقا
وشاء حملي نسيم الريح حين هفا ... رافاكم بفتىً أضناه ما لاقى
كان التجازي بمحض الود مذ زمنِ ... ميدان أنسٍ جربنا فيه إطلاقا
الآن أحمد ما كنا لعهدكمُ ... سلوتُم وبقينا نحن عشاقا
وإني لمفتون بهذا الشطر الحزين:
سلوتُم وبقينا نحن عشاقا
فقد أجاد الوزير إبن زيدون في نظمه وغزله وكان في مقدمة شعرا الحب في عصره شهادة الشعراء الأقدمين ما ذكر في درواوينهم التي لا مجال لذكرها. وله:
أيها الرائح المغذ تحمل ... حاجة للمتيم المشتاق
إقرِ عني السلام أهل المصلى ... فبلاغ السلام بعض التلاقي
وإذا ما مررت بالخيف فاشهد ... أن قلبي إليه بالأشواق
وإذا ما شئت عني فقل نض ... وهوى ما أظنه اليوم باق
ضاع قلبي فأنشده لي بين جمع ... ومني عند بعض تلك الحداق
وأبكِ عني فطالما كنت من قب ... ل أعير الدموع للعشاق
ثم يقول:
أيها الراكب الميّمم أرضي ... إقر بعضي السلام لبعضي
إن جسمي كما علمت بأرضِ ... وفؤادي مالكيه بأرض
قدر البين بيننا فأفترقنا ... وطوى البين عن جفوني غمضي
قد قضى الله بيننا بإفتراق ... فعسى بإجتماعنا سوف يقضي
وقال أحدهم:
وما في الأرض أشقى من محب ... وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكياً في كل حالٍ ... مخافة فرقة أو لإشتياق
فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ... ويبكي إن دنوا خوف الفراق
فتسخن عينه عند التنائي ... وتسخن عينه عند التلاقي
ومن الشعراء من يتوجع على عهده قبل الفراق، كقول الشريف:
هل عهدنا بعد التفرق راجع ... أو غصننا بعد التسلب مورق
شوق أقام وأنت غير مقيمة ... والشوق بالكلف المعني أعلق