وَكَانَ حينذاك الْمَوْسِم الَّذِي يعود فِيهِ الْحجَّاج على الْجمال فانتظرناهم لنستأجرها وَنَذْهَب بهَا وَهِي رَاجِعَة وَكنت عرفت وَأَنا فِي أسوان رجلا تقيا صَالحا يعرف شَيْئا من علم الْمنطق اسْمه عبد الله مُحَمَّد بن فليج وَقد عاونني فِي اكتراء الْجمل وَاخْتِيَار الرفيق وَغير ذَلِك وَقد اسْتَأْجَرت جملا بِدِينَار وَنصف دِينَار ورحلت عَن هَذَا الْبَلَد فِي الْخَامِس من ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة (٢٩ يوليو ١٠٥٠) وَكَانَ الطَّرِيق يتَّجه نَحْو الْجنُوب
بعد ثَمَانِيَة فراسخ من رحلتنا بلغنَا جِهَة تسمى ضيقَة وَهِي وَاد فِي الصَّحرَاء على جانبيه حائطان من الْجبَال وسعته مائَة ذِرَاع وَقد حفر فِيهِ بِئْر يخرج مِنْهُ مَاء كثير وَلكنه لَيْسَ عذبا وَبعد أَن تركنَا ضيقَة سرنا خَمْسَة أَيَّام فِي صحراء لَا مَاء فِيهَا وَكَانَ مَعَ كل منا قربَة مَاء ثمَّ بلغنَا منزلا يُسمى الْحَوْض وَهُوَ جبل حجري فِيهِ عينان يتفجر مِنْهُمَا مَاء عذب يسْتَقرّ فِي حُفْرَة وَلم يكن بُد من أَن يذهب رجل إِلَى حَيْثُ العينان ليحضر المَاء لشرب الْإِبِل الَّتِي مضى عَلَيْهَا سَبْعَة أَيَّام لم تشرب فِيهَا وَلم تَأْكُل إِذْ أَن عَلفهَا قد نفد كُله وَكَانَت تستريح مرّة فِي الْأَرْبَع وَعشْرين سَاعَة وَذَلِكَ من الْوَقْت الَّذِي تشتد فِيهِ حرارة الشَّمْس حَتَّى صَلَاة الْعَصْر وتسير بَقِيَّة الْوَقْت والمنازل الَّتِي ينزلون بهَا مَعْلُومَة فَلَيْسَ مُمكنا النُّزُول فِي أَي مَكَان لتعذر وجود مَا توقد بِهِ النَّار أما فِي هَذِه الْمنَازل فَإِنَّهُم يَجدونَ بعر الْإِبِل فيتخذونه وقودا يطبخون عَلَيْهِ مَا تيَسّر وَكَأن الْإِبِل تعلم أَنَّهَا إِن أَبْطَأت مَاتَت عطشا فَهِيَ تسير غير محتاجة لِأَن يَسُوقهَا أحد متجهة من تِلْقَاء نَفسهَا نَاحيَة الْمشرق فِي هَذِه الصحارى حَيْثُ لَا أثر أَو عَلامَة تدل على الطَّرِيق وَهُنَاكَ أمكنة يقل فِيهَا المَاء مَسَافَة خَمْسَة عشر فرسخا وَيكون ملحا وأمكنة لَا يُوجد فِيهَا مَاء قطّ مَسَافَة ثَلَاثِينَ أَو أَرْبَعِينَ فرسخا