الْأَبْصَار وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي كَونه لَا يرى مدح بِوَجْه من الْوُجُوه فَإِن الْعَدَم الْمَحْض كَذَلِك
وَإِذا عرف هَذَا فالمنهي عَنهُ إِن لم يتَضَمَّن أمرا وجوديا ثبوتيا لم يمدح بِتَرْكِهِ وَلم يسْتَحق الثَّوَاب وَالثنَاء بِمُجَرَّد التّرْك الايستحق الْمَدْح وَالثنَاء بِمُجَرَّد الْوَصْف العدمي الْوَجْه الْخَامِس عشر أَن الله سُبْحَانَهُ جعل جَزَاء المأمورات عشرَة أَمْثَال نعلها وَجَزَاء المنهيات مثل وَاحِد وَهَذَا يدل على أَن فعل مَا أَمر بِهِ أحب إِلَيْهِ من ترك مَا نهى عَنهُ وَلَو كَانَ الْأَمر بِالْعَكْسِ لكَانَتْ السَّيئَة بِعشْرَة والحسنة بِوَاحِدَة أَو تَسَاويا الْوَجْه السَّادِس عشر أَن الْمنْهِي عَنهُ الْمَقْصُود إعدامه وَأَن لَا يدْخل فِي الْوُجُود سَوَاء نوى ذَلِك أَو لم يُنَوّه وَسَوَاء خطر بِبَالِهِ أَو لم يخْطر فالمقصود أَن لَا يكون وَأما الْمَأْمُور بِهِ فالمقصود كَونه ايجاد والتقرب بِهِ نِيَّة وفعلا
وسر الْمَسْأَلَة أَن وجود مَا طلب إيجاده أحب إِلَيْهِ من عدم مَا طلب إعدامه وَعدم مَا أحبه أكره إِلَيْهِ من وجود مَا يبغضه فمحبته لفعل مَا أَمر بِهِ أعظم من كَرَاهَته لفعل مَا نهى عَنهُ يُوضحهُ الْوَجْه السَّابِع عشر أَن فعل مَا يُحِبهُ والإعانة عَلَيْهِ وجزاؤه وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْمَدْح وَالثنَاء من رَحمته وَفعل مايكره وجزاؤهما يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الذَّم والألم وَالْعِقَاب من غَضَبه وَرَحمته سَابِقَة على غَضَبه غالبة لَهُ وكل مَا كَانَ من صفة الرَّحْمَة فَهُوَ غَالب لما كَانَ من صفة الْغَضَب فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يكون إِلَّا رحِيما وَرَحمته من لَوَازِم ذَاته كعلمه وَقدرته وحياته وسَمعه وبصره وإحسانه فيستحيل أَن يكون على خلاف ذَلِك وَلَيْسَ كَذَلِك غَضَبه فَإِنَّهُ لَيْسَ من لَوَازِم ذَاته وَلَا يكون غضبانا دَائِما غَضبا لَا يتَصَوَّر انفكاكه بل يَقُول رسله وَأعلم الْخلق بِهِ يَوْم الْقِيَامَة إِن رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب قبله مثله وَلنْ يغْضب بعده مثله وَرَحمته وسعت كل شَيْء وغضبه لم يسع كل شَيْء وَهُوَ سُبْحَانَهُ كتب على نَفسه الرَّحْمَة وَلم يكْتب على نَفسه الْغَضَب ووسع كل شَيْء رَحْمَة وعلما وَلم يسع كل شَيْء غَضبا وانتقاما فالرحمة وَمَا كَانَ بهَا ولوازمها وآثارها غالبة على الْغَضَب