والضمائر منها ما يكون عن مقدمات محمودة، ومنها ما يكون من الدلائل. وأعني بالمقدمات المحمودة التي ليست دلائل، مثل أنه ينبغي إِن يشكر المنعم وأن يُساءَ إِلى المسيء. وأعني بالدلائل الأَشياءَ التي تدل على وجود شيء لشيءٍ. وهذان الصنفان من المقدمات توجدفي المواد الضرورية والممكنة، أعني المحمودات والدلائل، وليس توجد في الممكنة على الأَكثر فقط، بل وفي الممكنة على التساوي وهي التي نسبتها إِلى المقدمات الممكنة على الأَكثر نسبة التي على الأَكثر إِلى الضروري، وهي نسبة الكل من البعض. وذلك إِن الصدق في الضرورية أعم من الصدق في الممكنة على الأَكثر، إِذ كانت الضرورية توجد لكل الموضوع، والممكنة على الأَكثر لا توجد لكله. وكذلك نسبة الممكنة على التساوي إِلى الممكنة على الأَكثر هي هذه النسبة، أعني إِن الممكنة على الأَكثر تصدق في موضوعاتها على اكثر مما تصدق الممكنة على التساوي.
والدلائل المأخوذة حداً أوسط: منها ما هو أعم من الطرف الأَصغر وأخص من الأَكبر، ومنها ما هو أعم من الطرفين، ومنها ما هو أخص منهما.
أما الذي هو أعم من الطرف الأَصغر وأخص من الأَكبر فإِنه يأْتلف ضرورة في الشكل الأَول. وإِذا كان في المادة الممكنة على الأَكثر فهو الذي يعرفه القدماء بالأَشبه. ومثاله في المادة الضرورية: هذه المرأة لها لبن فهي قد ولدت. وفي الممكنة على الأَكثر: فلان يعد السلاح ويجمع الرجال وليس قربه عدو، فهو يريد إِن يعصى الملك. ومثال الممكنة على التساوي: فلان قد تعب، والمتعوب محموم، ففلان محموم. وهذا هو الذي يعرف بالمشبه.
وأما ما هو أعم من الطرفين فإِنه يأْتلف في الشكل الثاني إِلا أنه غير منتج إِلا في بادئ الرأي. مثال ذلك في المادة الممكنة على الأَكثر قول القائل: سقراط يتنفس متواترا، والمحموم يتنفس متواترا، فسقراط محموم. فهاتان المقدمتان صادقتان، والنتيجة قد تكون كاذبة، إِذ قد يمكن إِن يتنفس سقراط متواترا لموضع إِحضاره. ولما كان ذلك خافيا على كثير من الناس، إِذا رأوا في أمثال هذه المقدمات الصادقة أنها تنتج كذبا، ظنوا لذلك أنه قد انطوى فيها كذب، فيرومون إِن يعاندوا المقدمات، فيعسر ذلك عليهم لمكان صدقها، فيتحيرون لذلك.
وأما التي هي أخص من الطرفين فتنتج في الشكل الثالث جزئيا لا كليا، لكن تؤخذ نتيجته في هذه الصناعة كلية. مثال ذلك في المادة الضرورية قول القائل: الأَشياء كلها في كرة العالم، والأَشياءُ كلها في الزمان، فالزمان كرة العالم. وفي الممكنة قول القائل: الحكماءُ عدول، لأن سقراط حكيم وعدل.
والدلائل التي تكون في الشكل الثالث والثاني تخص باسم العلامة، وما كان منها في الشكل الأَول يخص باسم الدليل. والذي في الشكل الثاني هو أخص باسم العلامة من الثالث. كما أنه ما كان من ذلك في الممكنة الأَكثرية يخص الأَشبه، وإِن كان في الممكنة على التساوي خص باسم الضمير المشتبه.
فقد تبين من هذا القول ما هي المحمودات والدلائل والعلامات، وما الفرق بينهما. لكن الذي تبين من الأَقاويل القياسية على الحقيقة إِنما هو في كتاب القياس، وتبين في جنس جنس منها ما هو قياس وما ليس بقياس.