قال: والحسد أَشد مضادة للاهتمام من الحزن الذي يكون على الخير الذي ناله من لا يستأهله، وهو الذي قلنا إِنه يسمى نفاسة. وكأَن هذا الانفعال قريب من أَن يكون في الوسط، أَعني بين الاهتمام والحسد، لأَنه قريب من الحسد، وذلك أَنه اغتمام بخير، كما أَن الحسد اغتمام بخير. وإِنما الفرق بينهما أَن الحسد اغتمام بخير ناله من يستحقه، وهذا اغتمام بخير ناله من لا يستحقه.
قال: وليس الحسد هو الاغتمام الذي ينال الإِنسان لخير أَصابه مستحقه وأَخطأَه في نفسه، لأَن هذا لا يعْرى منه أَحد، ولا هو أَيضا الاغتمام الذي يناله من قبل أَنه يعتقد أَن ذلك الخير الذي أَصاب المستحق لو لم يصبه لكان سيصيبه، وذلك أَن الاغتمام بالخير الذي أَصاب غيره ولم يصبه هو اغتمام لأَنه لم يعط ذلك الخير ولم يرزقه. والاغتمام بالخير الذي حرمه من أَجل إِصابته لغيره هو اغتمام من قبل أَنه نالته شقاوة بسبب سعادة ذلك. وإِذا كان الأَمر هكذا فالحسد هو الاغتمام بخير يناله المستحق له، لا لأَن ينال هو ذلك الخير.
قال: وهو معلوم أَنه قد يلزم من الاغتمام بنزول الخير والشر بمن يستأهله ومن لا يستأهله انفعالات متضادة. فإِن الذي يحزن لنيل الخير مَن يستأهله ومَن لا يستأهله قد يؤلمه هذا إِذا وقع ويبرؤه من هذا الأَلم وقوع الشر بهم بأَسوإِ ما يكون، أَعني الشرار الذين لا يستأهلون الخير. ولذلك الصنف من الناس الذين يضربون آباءهم أَو يتدنسون بالقتل، إِذا وقعت بهم العقوبة، فليس أَحد من الناس يحزن لهم، بل يفرحون بهذا ويرونه خيرا، لأَنه بمنزلة الفرح الذي يكون إِذا نال الخير المستأهلون له. وذلك أَن الأَمرين جميعا عدل. ومما يسر به الخيار والحكماءُ نزول الخير بمن يستأهله ونزول الشر أَيضا بمن يستأهله. وذلك أضن هذين الأَمرين جميعا، إِذ كانا معا عند الحكماءِ جميلين، فهما جميعا من خلق صنف واحد من الناس، وكلاهما يشتاق إِليه هذا الصنف من الناس. وأَما ضد هذا، وهو الاغتمام بالخير الذي ناله المستحق له، فهو موجود لضد هذا الخُلق، لأَن الذي لا يفرح بهذا ويحزن له هو صنف واحد من الناس وهم أَهل الشرارة والحسد. فإِنه ولا بد إِذا كان المرءُ يحزن لكون شيء ووجوده أَن يكون يفرح بعدمه وفساده. ولذلك مَنْ كان من الناس يحزن لوجود الخير لمن لا يستأهله، فهو يفرح بعدم الخير لهم ووجود الشر. وبالعكس. أَعني أضن الذين يفرحون بوجود الخير لمن يستأهله، يغتمون بعدمه ووجود الشر لمن يستأهله، وهو الذي يسمى أَسى وأَسفا.
قال: وكل هذه الانفعالات التي تتركب من هذه الأَشياء، أَعني من الخير والشر وممن يستأهل ومن لا يستأهل، تشترك كلها في أَنها تضاد الهم. وهي وإِن كانت مختلفة لمكان التركيب، فهي كلها تجتمع في أَنها تصلح أَن تستعمل في نفي الهم.
[القول في النفاسة]
قال: ونحن الآن قائلون أَولا في النفاسة وذلك بأَن نخبر على مَن ينفس من الناس وفيما ينفس ومَن الذين ينفسون، ثم نقول بعد ذلك في تلك الأٌخر التي عددنا، أَعني الحسد والأَسف، فنقول: إِنه إِن كان النافس هو الذي يحزن لحسن حال تكون للمرءِ بلا استحقاق، فهو معلوم من هذا الحد نفسه أَنه ليس تكون النفاسة في جميع الخيرات، لأَنه ليس ينفس على أَحد في الشجاعة ولا في البر، وبالجملة في جميع الفضائل التي تكون للإِنسان عن الإِرادة. كما أَنه ليس يهتم المرءُ بوجود أضداد الفضاءل له، وإِنما تكون النفاسة في المال والقوة، وبالجملة في الخيرات التي تصيب الإِنسان من خارج، مما قد يرى أَن الخيار يستحقونها، وأَن الشرار لا يستحقونها. وإِنما ينفس في هذه إِذا كانت حديثة. فإِن المتقادمة من ذلك يظن بها أَنها قريبة من الأَمر الواجب الذي في الطبع، ولذلك لا ينفس في الأَموال الموروثة، ولا في الرياسات المتقادمة في الأَكثر؛ وإِنما ينفسون لا محالة في الخيرات المستحدثة، مثل: السلطان المستحدث، وكثرة الإِخوان، والمال، وغير ذلك من الخيرات. والسبب في هذا أَن الناس هم أّشد غيظا من الذين يستغنون حديثا منهم على الذين يكون الغنى فيهم متوارثا، وكذلك الأَمر في سائر الخيرات التي من خارج. والسبب في ذلك شيئان: أَحدهما أَنهم يرون أَن ذلك الخير الحادث هم كانوا أَحق به منهم.