للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال: فإِما الأَحداث وهم الذين جاوزوا اسبوعين من سنهم إِلى نحو الثلاثة الأَسابيع فمن أَخلاقهم أَنهم يشتهون كل شيء، وهم مسارعون جموحون إِلى ركوب ما يشتهونه، وأَغلب الشهوات عليهم الشهوات البدنية المنسوبة إِلى الزهرة. وهم مع ذلك سريع تغيرهم وتقلبهم يشتهون الشيءَ سريعا ويملونه سريعا. والسبب في اشتهائهم كل شيء أَن آراءَهم مضطربة لم تستقر بعد كل شيء من المؤثرات في هذه الحياة الدنيا. وليست آراؤهم وهي التي تكون عن بصيرة ونظر. ومثال ما يصيبهم من شدة الشهوة مع سرعة زوالها مثل العطش الذي يصيب المرضى فإِنه عطش سريع الزوال إِلا أَنه شديد جدا. وهم مع ذلك سريعو الغضب منقادون له تقهرهم حدته وسورته، لأَنهم من أَجل حبهم للكرامة لا يصبرون إِذا استخف بهم مستخف لكن يمتعضون إِذا ظنوا أَنهم يعابون. وهم محبون للكرامة وأَشد من ذلك للغلبة، وذلك أَن الحداثة تشتاق الفخامة؛ والغلبة شيء من الفخامة. وهم للكرامة والغلبة أَشد حبا منهم للمال. وإِنما لا يحبون المال لأَنهم لم يجربوا الفاقة. وهم يصدقون بالقول سريعا لأَنهم لم ينخدعوا كثيرا. وهم حسنٌ ظنهم، فسيحٌ أَملهم لحرارة طباعهم كالذي يعرض لمن يشرب الخمر لمكان الحرارة العارضة له عن شربها. ثم لا يخورون ولا ينكلون، بل يحملون المشقة فيما يهوونه وذلك لقوة حرارتهم. وهم أَكثر ذلك يعيشون بالأَمل، لأَن الأَمل إِنما هو للزمان المستقبل، والذكر للماضي. والمستقبل موجود للغلمان أَكثر من الماضي لأَنه في أَول وجودهم، ولذلك يأمنون كثيرا ولا يذكرون. وهم يسيرٌ اختداعهم واغترارهم وذلك أَن من شأنهم التصديق من غير دليل أَو بدليل ضعيف. وإِذا غولطوا بالدليل سهلت مغالطتهم. وهم مع أَنهم من ذوي التأميل شجعان، وذلك أَن الشجعان غضوبون حسنٌ أَملهم. فأَما حسن الأَمل فيحدث لهم أَلا يجزعوا، وذلك أَن قوة الرجاءِ في الظفر تشجعهم، وأَحد ما يشجع هو تأميل الخير، وأَما الغضب فيحدث لهم شدة القلب، لأَنه ليس من أَحد يخاف فيغضب. ومن خلقهم أَن الحياءَ يغلب عليهم لأَنهم لم يصيروا بعد إِلى أَن يميزوا بين الأَشياءِ التي يجب أَن يستحى منها وبين التي لا يستحى منها. فهم لاتهامهم أَنفسهم في كل شيء يستحيون من كل شيء خوفا من أَن يكونوا قد اخطأْوا. وهم يتمسكون بالسنن جدا ويراقبونها، والسبب في ذلك أَنهم لم يعملوا النظر فيها حتى يتبين لهم ما هو منها عدل مما ليس بعدل. وهم كبراء الأَنفس. ويظنون أَنهم لا يفتقرون أَبدا، والسبب في ذلك أَنهم لم يجربوا الضراءَ والضرورة. ويتشوقون أَبداً من أَفعال كبراءِ النفوس العظائم منها، وذلك من طريق اتساع أَملهم.

ومن أَخلاقهم أَنهم يؤثرون الجميل أَشد من إِيثارهم النافع. وإِنما يؤثرون من النافع ما كان جميلا. وإِنما كانوا لا يؤثرون النافع لقلة تفكرهم في العواقب، وإِيثارهم للجميل من أَجل إِيثارهم للفضائل، وإِيثارهم للفضائل من أَجل إِيثارهم للمدح والذم. وهم محبون لأَصحابهم أَكثر من سائر الناس، لأَن من تمام اللذة والسرور - إِذا وُجدا - الصحبة ومشاركة الإِخوان. وهم لا يطلبون النافع في شيء من الأَشياء ولا في الأَصدقاءِ. وخطؤهم في الأَشياءِ كثير، وأَكثر ما يكون في الأَشياءِ النافعة التي يؤثرها المشايخ. وأَفعالهم غير محدودة ولا مقدرة، فيحبون جدا ويغضبون جدا، وبالجملة فيفرطون في كل شيء وذلك لسوءِ تمييزهم العواقب. فإِن الأَفعال إِنما تكون مقدرة بتمييز العواقب. ويظنون أَنهم يعلمون كل شيء وذلك بسبب إِغراقهم في كل شيء. ويركبون الظلم مجاهرة والأَشياء التي فيها العيب والفضيحة، وهذا أَيضا لجسارتهم وإِفراطهم في الأَشياءِ. وهم رحماءُ لأضنهم يظنون بالناس جميعا أَنهم خيار صلحاءُ. وهم لقلة شرهم يبغضون أَهل الشر لأَنهم يظنون أَن أَهل الشر يفعلون ما لا ينبغي. وهم محبون للهزل والمزح. وانصرافهم عن الشيءِ سريع، لأَن سرعة الانصراف من ضعف الروية. فهذه هي أَخلاق الغلمان.

في أَخلاق المشايخ

<<  <   >  >>