فهذا هو القول في الفضيلة وأَجزائها بقدر ما يحتاج إِليه في هذه الصناعة. وأَما سائر الأَشياءِ التي يمدح بها مما عدا الفضيلة فليس يعسر الوقوف عليها. وذلك أَنه معلوم أَن فاعلات الفضائل مثل التأَدب والارتياض بالأَشياءِ التي بها تحصل الفضائل هي أَمور حسان وممدوح بها. وأَما الأَشياء التي توجد في الفضائل أَنفسها، أَعني الأَعراض التي توجد فيها والأَشياءَ التي توجد تابعة للفضائل فهي التي يقال فيها الآن وهي علامات الفضائل. وأَعراضها اللاحقة لها وأَفعالها إِنما يمدح بها إِذا كانت حسنة محمودة، فإِن كثيرا من أَفعال الفضائل قد لا يمدح بها، وكذلك كثير من الأَعراض. فمثال الأَفعال والأَعراض التي هي محمودة أَفعال الشجعان في الحرب أَو مَنْ فعل في الحرب فعلهم، وإِن لم تكن لهم ملكة الشجاعة. وكذلك الأَعراض التي تلحق الشجعان مما يمدح بها. ومثال الأَفعال التي لا يمدح بها في وقت ما بذلُ المال، فإِنه فعل من أَفعال السخاءِ. لكن ربما كان ذلك الفعل على جهة التبذير. ومثال الأَعراض التي لا يمدح بها انفعال المرءِ عن العدل وقبوله إِياه، وذلك أَن فعل العل ممدوح، وأَما الانفعال عنه فليس بممدوح، لأَنه يظن به أَنه مهانة وضيم. وبالجملة فأَفعال الفضائل إِنما تكون ممدوحة إِذا كانت مقدرة تقدير العدل. ومما يمدح بها الأَفعال العظيمة الشاقة التي جزاؤها الكرامة فقط. فإِن الأَفعال التي يكون جزاؤها الكرامة خير من الأَفعال التي جزاؤها المال. ولذلك إِذا كان فعل يجازي عليه بالأَمرين جميعا، ففَعَلهُ فاعلٌ من أَجل الكرامة فقط، مدح به وكل مايفعله المرءُ من الفضائل لا من أَجل نفسه مدح به. وفعل الأَشياءِ التي هي خيرات بإِطلاق كذلك مما يمدح به. ولأَشياء التي في طبيعتها خيرات، وإِن كانت ضارة للفاعل، يمدح بها أَيضا، مثل فعل العدل. فإِن العادل كثيراً ما يستضر به. والأَفعال التي تختص بإِكرام الأَموات ممدوحة لأَن الأَفعال التي تكون للأَحياءِ إِنما يقصد منها المرءُ أَكثر ذلك منفعة نفسه. وبالجملة فكل فعل كان المقصود به الغير ولم يكن ينتفع به الفاعل له أَو كان يلحقه منه ضررٌ فهو ممدوح به. والفعل الذي يكون إِلى المحسنين إِلى الناس ممدوح به أَيضا، لأَن هذا هو عدل، إِذ كان ليس ينتفع به الفاعل له. ومما يدل على أَن الإِنسان ذو فضيلة أَن لا يفعل الأَفعال التي يفتضح بها أَهل الفواحش وأَن يؤدّبهم بالقول والفعل. وكذلك نصرة ذوي الفضائل ومحمدتهم مما يمدح به. والخجل عند ذكر القبائح مما قد يدل على الفضيلة، لأَنه يظن به أَن الحياءَ يمنعه عن إِتيان تلك الرذيلة. وقد يكون أَيضا عدم الحياء عند ذكر الفواحش علامة يمدح بها، وذلك أنه قد يظن أَن الإِنسان إِنما يستحي عند ذكر القبائح إِذا كان قد فعلها أَو نالها أَو هو مزمع أَن يفعلها. مثل ما حكى أَرسطو أَنه عرض لامرأَة مشهورة بالحكمة عندهم، وذلك أَن إِنسانا مشهورا عرّض لها بالقبيح، بأَن قال لها: إِني أُريد أَن أَقول قولا يمنعني عنه الحياء، فحلمت عنه ولم تجبه بقول قبيح ولم يدركها من ذلك تأَلم ولا انفعال، لأَنها كانت ترى لمكان فضيلتها أَن أَحدا لا يعرّض لها لا بمثال ولا بقول كلي، وهما صنفا التعريض، لكنها في تلك الحال جعلت تنص الفضائل وتمدح أَهلها وتتعصب لهم وتحامي عنهم. وكان أَيضا مَنْ معها لم يأْنفوا أَيضا لقول ذلك ولا لتعريضه لعلمهم أَن مثلها لا يتهم بمثل هذا.
قال: ولذلك كان التعصب للأَشياءِ التي تكسب المجد والمحاماة عنها قد تجعل المتعصب لها والمحامي عنها من أَهل الفضائل التي لا تحصل للإِنسان إِلا بمجاهدة كبيرة للطبيعة مثل العفاف والشجاعة وغيرها وذلك إِذا صارت له ملكة بترداد فعلها والتعصب لها والمحاماة عنها كما عرض لهذه المرأة التي اقتصصنا ذكرها مع ذلك الرجل. وذلك أَن أمثال هذه الأَفعال قد يصير بها الإنسان من أَهل الفضائل التي لا تحصل للإِنسان إِلا بمجاهدة كبيرة.