للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد ألف الجاحظ هذا الكتاب -والبيان والتبيين بطبيعة الحال- وهو على جانب المرض وشدة وقع الفالج والنقرس عليه، وقد صادف الجاحظ من أمراضه متاعب ومصاعب تغلب عليها بالصبر، فهو يشكو مرضه، ويقول: "أنا من جانبي الأيسر مفلوج، فلو قرض بالمقاريض ما علمت به، ومن جانبي الأيمن منقرس فلو مر به الذباب لألمت".

ويحكي الجاحظ متاعبه مع تأليف كتاب "الحيوان" وهو ما لم يذكر شيئًا منها بصدد كتابه "البيان والتبيين" فيقول: "وقد صادف هذا الكتاب مني حالات تمنع من بلوغ الإرداة فيه، أول ذلك العلة الشديدة، والثانية قلة الأعوان، والثالثة طول الكتاب، والرابعة أني لو تكلفت كتابًا في طوله وعد ألفاظه ومعانيه، ثم كان من كتب العرض والجوهر، والصفرة والتوليد والمداخلة والغرائز والنحاس لكان أسهل وأقصر أيامًا وأسرع فراغًا؛ لأني كنت لا أفزع فيه إلى تلقط الأشعار وتتبع الأمثال، واستخراج الآي من القرآن والحجج من الرواية، مع تفرق هذه الأمور في الكتب١.

والجاحظ في عباراته السابقة يوضح للقارئ أن كتابه اعتمد على القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر العربي والأمثال الشائعة كمصدر من مصادره.

والواقع أن كتاب الحيوان هو أكبر كتب الجاحظ من حيث الحجم، فقد صدرت أفضل طبعاته وهي التي حققها الأستاذ عبد السلام هارون في سبعة مجلدات، ومعنى ذلك أن الكتاب يشكل ضعفين أو أكثر من حيث الحجم إذا ما قورن بالبيان والتبيين: ولكن ما زال للبيان والتبيين ميزة الفضل والشهرة والذيوع.

ولا يأخذ العجب قارئ كتاب الحيوان لوفرة ما فيه من علم وتجربة وأدب؛ ذلك لأن الجاحظ نفسه كان وفير العلم في مختلف نواحيه، ولما كان للحيوان من خيل وإبل وكلاب أهميتها عند العرب، فقد درسوها وفصلوا أجزاءها قولًا مرسلًا وشعرًا منظومًا. ويمكن أن نقول الشيء نفسه عن الوحش في المنطقة العربية من ظباء وبقر وأسد وذئاب وثعالب وضباب وحيات، كل هذه الحيوانات قد أكثر العرب فيها القول وهو ما سطره الجاحظ في كتابه. هذا ويذكر الجاحظ في أمكنة مختلفة من كتابه أنه كان يأخذ علمه من أصحاب الخبرة حتى ولو كانوا من العامة، فكثيرًا ما جالس الحواة وحادثهم وناقشهم في شئون الحيات والثعابين.

وهذا إذا أراد أن يتحدث عن الطيور ذهب إلى صائد العصافير وساءله وناقشه، وهكذا نرى ثمار التجربة وحصاد الخبرة واضحًا في الكتاب.

وكتاب الحيوان مليء بأسباب الجدل الذي عرف به المعتزلة، ولكن الجدل في كتاب


١ الحيوان "٤/ ٦٩".

<<  <   >  >>