إن أبا بكر محمد بن يحيى الصولي واحد من أولئك الأعلام الكبار الذين توفروا على الأدب العربي وأدبائه -وبخاصة الشعراء منهم- توفرا مجيدًا منتجًا مثمرًا بحيث بلغت آثاره حسبما أوردها المترجمون له خمسة وثلاثين مؤلفًا ثمينًا شملت بالإضافة إلى الأدب، التاريخ واللغة وعلوم القرآن.
وأبو بكر الصولي يجمع بين انتماءين رفيعين بارزين، انتماء الأصل الذي ينتهي به إلى أحد جدوده "صول" الذي كان هو وإخوته ملوكًا على منطقة طبرستان، ثم أسلموا وأسهموا في الحضارة والفكر والآداب والسياسة الإسلامية بنصيب، والانتماء الثاني انتماء قريب، إنه واحد من أعلام الصوليين البلغاء الأذكياء الذين خدموا الثقافة العربية والسياسة الإسلامية على عهد العباسيين. فعم أبيه إبراهيم الصولي المتوفى سنة ٢٤٣هـ كاتب العراق في عصره صاحب القلم الذهبي نثرًا، وصاحب الملكة الساحرة شعرًا حتى إن دعبلًا الخزاعي الشاعر الذي لا يشق له غبار قال فيه: لو تكسب إبراهيم بن العباس بالشعر لتركنا بغير شيء، وأما المسعودي فيقول عنه: لا يعلم فيمن تقدم وتأخر من الكتاب أشعر منه. ومهما كان في قول كل من دعبل والمسعودي من مبالغة أو مجاملة، فإن الأمر الذي لا شك فيه أن إبراهيم كان من أرق الأدباء شعرًا وأكثرهم لماحية، وأسرعهم خاطرة وأخصبهم قلمًا. وكان في الوقت نفسه من أصحاب المؤلفات وإن تكن قليلة، فقد ترك -فضلًا عن ديواني شعره ونثره- كتاب الدولة، وكتاب العطر، وكتاب الطبيخ١.
١ راجع أخباره في وفيات الأعيان "ج١/ ٤٤" ومعجم الأدباء "١/ ٢٦١" ط المأمون، وتاريخ بغداد "٦/ ١١٧" وفي كتابنا الأدب في موكب الحضارة الإسلامية "ص٤٠١" وما بعدها.