لعل هذا الكتاب هو أشهر كتب التراجم عامة منها ما تخصص في تراجم أبناء بلد بعينه أو ما اشتمل على تراجم عامة بغض النظر عن الزمان والمكان، ولا يكاد يدانيه شهرة من كتب التراجم إلا كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي.
وهذا الكتاب وأقرانه لا يستطيع التوفر على تصنيفها إلا العلماء من أولي العزم للصبر الذي يحتاج إليه مؤلفه، فضلًا عن سعة في العلم وتبحر في الأدب وتمكن من اللغة، ومعرفة بالتاريخ وثقة في الرواية وحسن سمعة بين الناس.
إن شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان مؤلف "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" كان جامعًا لكل هذه الصفات، لقد عاش بين سنتي ٦٠٨-٦٨١هـ، وكان مولده بإربل وحصل فيها ما استطاع من ألوان العلم والمعرفة، وتتلمذ لمشهوري علمائها، ثم أصبح أستاذًا لكثير من العلماء والفضلاء وعلامة في الأدب والشعر وأيام الناس، ووصف بأنه كان كثير الاطلاع جليل المذاكرة وافر الحجة ذا هيبة ومكانة عند الناس.
وإذا كانت الرحلة تفيد في تحصيل المعرفة، وتزيد المرء من تجارب الحياة، فقد رحل ابن خلكان، وسكن فترة من الزمان في كل من الموصل وحلب ومصر حيث تولى فيها نيابة القضاء، ثم رحل إلى الشام حيث تولى القضاء فيها للشافعية. ومن الطريف أن قضاة المذاهب الأربعة الشافعية والأحناف والمالكية والحنابلة كان كل واحد منهم -وابن خلكان منهم- يلقب بشمس الدين فقال في ذلك بعض شعراء دمشق الظرفاء: