مر بنا قبل قليل تعريف بابن قتيبة العالم الواسع المعرفة المسهم في كل علم بطرف وافٍ ونصيب موفور، غير أننا هنا نعرض لابن قتيبة الأديب الناقد الدارس المهتم بشعر العرب والتأليف فيه، والتعريف بالشعراء الذين سبقوه أو عاشوا قريبًا من عصره.
نذكر ونحن نكتب عن ابن قتيبة أننا قلنا إنه كان من أهل السنة يحتل المكانة التي يمثلها الجاحظ عند المعتزلة، والواقع أنهما كانا فرسي رهان، وإن كانت صفة الأديب المرح تغلب على الجاحظ، وصفة العالم الوقور تغلب على ابن قتيبة، وإذا كان ابن قتيبة قد ألف في الشعر والشعراء فإن الجاحظ بدوره قد أسهم في هذا الموضوع، ولكن يبدو أن إسهامه كان في شيء من الأنانية؛ لأنه ألف كتابًا أو بالأحرى رسالة عن الذين اسمهم "عمرو" من الشعراء، وكأنما تعمد أن يختار من اسمهم عمرو هؤلاء؛ لأن اسمه -أي الجاحظ- عمرو، ولعل تفسيرنا هذا أقرب إلى المنطق طالما أن الرسالة أو الكتاب قد فقدت.
أما ابن قتيبة فقد قدم للشعر العربي والمهتمين به خدمات جليلة بكتابه الشعر والشعراء الذي نال تقديرًا وذيوعًا بين أمثاله من كتب الطبقات.
على أن الأمر الجدير بالذكر أن ابن قتيبة لم يسهم في موضوع خدمة الشعر بهذا الكتاب وحده، وإنما ذكرت له تآليف أخرى في الشعر، وهي من جلال القدر وسمو التأليف بمكان حسبما يبدو من وصف المؤرخين لها، ومن تبويبها والأشعار التي بقيت منها وظلت مخطوطة لم تنشر حتى الآن.
فمن هذه الكتب التي ألفها ابن قتيبة خدمة لشعر هذه الأمة "كتاب معاني الشعر الكبير" ويحتوي على اثني عشر كتابًا حسب التقسيم الذي اختطه ابن قتيبة لأقسام كتبه، أي أنه يضم اثني عشر بابًا أو قسمًا أو فصلًا، وهذه الأقسام التي ضمها كتاب معاني الشعر الكبير هي