إن كثيرًا من كتب الأدب والأخبار لقيت من الشهرة والذيوع ما هي جديرة به لنفاسة محتواها، وسمو مكانتها العلمية والأدبية مثل البيان والتبيين للجاحظ، ومثل كتاب الحيوان للمؤلف نفسه، ومثل كتابي عيون الأخبار وأدب الكاتب لابن قتيبة، والكامل للمبرد، وكتاب الفصيح والمجالس لثعلب، والإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، والأمالي لأبي علي القالي وغيرها من تلك الروائع التي كتبها رواد الأدب العربي وأساتذة الفكر الإسلامي في القرنين الثالث والرابع الهجريين، ولكن واحد من هذه الكتب على نفاسة أكثرها لم ينل من الشهرة والذيوع والتعليق والذكر على أفواه المتأدبين والدارسين والإقبال عليه والاحتفال به كما نال كل من "العقد الفريد" لأحمد بن عبد ربه، و "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني.
إن كلا من الكتابين يشكل بمفرده موسوعة ضخمة من الثقافة العربية ودائرة معارف تكاد تكون مستكملة الحلقات من الأخبار والنصوص الأدبية. ومن الغريب أن مؤلف العقد أندلسي المولد والإقامة والوفاة، ومؤلف الأغاني عراقي المولد والإقامة والوفاة، فكان الأول السفير الأندلسي للثقافة العربية في الأندلس والمغرب والمشرق جميعًا. فكما عاش كتابه في الأندلس رفيع القدر ثابت الجذور، جيء به إلى المشرق فاختلف أول الأمر في شأنه ثم ما لبث أن نال حظه من الاحتفال به والتقدير لشأنه. وكان الثاني السفر المشرقي للثقافة والأدب العربي في المشرق جميعًا وفي الأندلس كذلك حينما بعث مؤلفه بالنسخة الخطية الأولى منه هدية إلى المستنصر الملك المثقف الأندلسي.
ومجمل القول إن كتابي العقد الفريد، والأغاني قد طغيا بلمعانهما -إن حقًّا وإن باطلًا- على أقرانهما من الكتب النفيسة الأخرى التي إن لم تعدلهما فإنها لا تقصر عنهما كثيرًا.