قديمًا قالوا:"الكتاب يقرأ من عنوانه" ولعلّ هذا المثل لا يكتمل انطباقه على شيء قدر انطباقه على كتاب "فوات الوفيات" أي ما فات ابن خلكان ذكره في كتابه "وفيات الأعيان".
إن مؤلف فوات الوفيات ينص على ذلك نصًّا في مقدمته لكتابه فيقول " ... إن علم التاريخ مرآة الزمان لمن تدبر، ومشكاة أنوار يطلع بها على تجارب الأمم من أمعن النظر وتفكر، وكنت ممن أكثر لكتبه المطالعة، واستحلى من فوائده المراجعة، فلما وقفت على كتاب "وفيات الأعيان" لقاضي القضاة ابن خلكان، قدس الله روحه! وجدته من أحسنها وضعًا لما اشتمل عليه من الفوائد الغزيرة، والمحاسن الكثيرة، غير أنه لم يذكر أحدًا من الخلفاء، ورأيته قد أخل بتراجم فضلاء زمانه، وجماعة ممن تقدم على أوانه، ولم أعلم أذلك ذهول عنهم، أو لم يقع له ترجمة أحد منهم؟!
فأحببت أن أجمع كتابًا يتضمن ذكر من لم يذكره من الأئمة الخلفاء، والسادة الفضلاء، من وفاته إلى الآن، فاستخرت الله تعالى، فانشرح لذلك صدري وتوكلت عليه، وفوضت إليه أمري. وسميته بـ"فوات الوفيات".
والله تعالى المسئول أن يوفق في القول والعمل، وأن يتجاوز عن هفوات الخطأ والزلل ... ".
أما مؤلف كتاب "فوات الوفيات" فهو محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الكتبي الداراني الدمشقي المولود في داريا من قرى دمشق، فلما نما عوده اشتغل بتجارة الكتب فأصاب ربحًا كبيرًا وغنًى وافرًا وظل وفيًّا للعلم فأسهم على قدر طاقته في التأليف والتصنيف وأهدى إلى المكتبة العربية كتابين نفيسين هما هذا الكتاب الذي نتناوله بالدراسة، وكتابًا آخر لا يزال