للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: أبو الفرج الأصفهاني والأغاني]

[كتاب الأغاني]

...

[كتاب الأغاني]

لعل كتابًا من كتب العربية لم ينل حظًّا من الشهرة والذيوع والاحتفال به وإدمان القراءة له والاستفادة من مادته، كما نال كتاب الأغاني، وليس في ذلك أي غرابة، فالكتاب جدير بالشهرة قمين بالذيوع خليق بأن يستفاد منه، فهو جيد رائع يدل على ملكة التأليف الأصيلة والمثابرة الواعية وسعة الأفق وتنوع الثقافة عند المؤلف العربي.

ومؤلف الأغاني شخصية بارزة من غير شك من شخصيات الفكر العربي ولكنه -شأن بعض العباقرة- فيه من الصفات وله من التصرفات ما يجعل المرء حائرًا بعض الشيء أمامه، فاسمه علي بن الحسين بن محمد المرواني الأموي وهو من نسل مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية ومع ذلك نجده شيعيًّا متحمسًا، بل إن تحمسه لتشيعه دفع به إلى تأليف كتاب حول ما تعرض له الطالبيون من عسف وعنت وقتل سماه "مقاتل الطالبين".

ومن غرائبه أنه على علمه وفضله كان وسخًا قذرًا لم يغسل له ثوبًا منذ أن فصله إلى أن قطعه، وهو مع هيئته الرثة هذه كان من ندماء الوزير المهلبي القريبين إليه الخصيصين به، والمهلبي هو من نعلم أناقة وأبهة ونظافة وأسلوب حياة، ولكن المهلبي كان يحتمله لما يعلم من فضله وربما لطول لسانه، فلقد كان أبو الفرج جيد الشعر ولكنه كان أجود في الهجاء، وله في الوزير المهلبي بدائع كثيرة في مناسبات عديدة ولكن الوزير على إحسانه إليه لم يسلم من هجائه، فلقد تصور يومًا أن الوزير ينظر إليه نظرة فيها شيء من الاستخفاف -ربما لقذارته- فقال فيه١:

أبعين مفتقر إلي رأيتني ... بعد الغنى فرميت بي من حالق


١ معجم الأدباء "ص١٣/ ١٠٠".

<<  <   >  >>