إن اسمه الحقيقي أحمد بن داود بن ونند، وهو منسوب إلى دينور في فارس وكنيته أبو حنيفة، وهو من معاصري ابن قتيبة، والجاحظ، ويعتبر واحدًا من أعلام رواد الفكر الإسلامي والتأليف في المكتبة العربية. وإذا كانت كتبه من حيث الكم لم تصل إلى مثل كتب الجاحظ أو ابن قتيبة، فإنها من ناحية الكيف قد نالت شهرة واسعة ومكانة رفيعة لما اتسمت به من العمق والإفاضة والثراء وحسن التناول، فضلًا عن التنوع الذي يدل على عقلية خصبة جعلت صاحبها في مكانة تزاحم مكانة الجاحظ عند صفوة العلماء، لقد كان أبو حنيفة نحويًّا لغويًّا مهندسًا منجمًا رياضيًّا راوية مؤرخًا، وله كتب عديدة سوف نذكرها بعد قليل، ولكن يبدو أن أهمها وأكثرها قيمة هو كتاب النبات، فما يكاد مؤرخ يذكر اسم أبي حنيفة إلا ويردف أنه صاحب كتاب النبات.
وأبو حنيفة من العلماء المسلمين الذين افتتن بهم أبو حيان التوحيدي وزكاهم على بخل فيه بتزكية الرجال. إنه يسأل الزبيدي اللغوي الأندلسي، وهو في مجلس أبي سعيد السيرافي الرأي في بلاغة كل من الجاحظ وأبي حنيفة صاحب النبات ويطلب حكمه من ذلك فيعتذر اللغوي الكبير عن إبداء الرأي بحجة أنه ليس أهلًا للموازنة بينهما، وأنه أحقر من أن يحكم لهما أو عليهما، فيلح عليه أبو حيان طالبا حكمه فيقول الزبيدي، أبو حنيفة أكثر ندارة، وأبو عثمان أكثر حلاوة، ومعاني أبي عثمان لائطة بالنفس سهلة في السمع ولفظ أبي حنيفة أعذب وأغرب وأدخل في أساليب العرب١.