للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الثالث: النضر بن شميل المازني ... -٢٠٤هـ.:

عاش النضر النصف الثاني من القرن الثاني وسنوات أربع من القرن الثالث، وأقام بين مرو والبصرة، وكانت أبرز معارفه في علوم اللغة، وله مع المأمون مسامرات ومناقشات لغوية وأدبية درت عليه من العطاء ما أغناه. إن صاحب الوفيات يصفه فيقول: "كان عالمًا بفنون من العلم، صدوقًا ثقة، صاحب غريب وفقه وشعر ومعرفة بأيام العرب ورواية حديث١" فأي عالم جليل كان هذا الإنسان؟ ومع ذلك فقد ضاقت به الدنيا وذاق مرارة الحاجة وبطش الفقر فخرج من البصرة يريد خراسان فخرج لتشييعه نحو ثلاثة آلاف رجل من أهل البصرة ليس فيهم إلا محدث أو نحوي أو لغوي أو عروضي أو أخباري، فلما صار بالمربد جلس وقال: يا أهل البصرة يعز علي فراقكم، ووالله لو وجدت كل يوم كيلجة "نوع من المكاييل" باقلَّاء ما فارقتكم. ومع ذلك فلم يتكفل واحد منهم بذلك الأمر الذي دفع به إلى السير إلى خراسان والإقامة بمرو حين صلحت حاله هناك، ولذلك فإن أبا عبيدة ذكر هذه القصة في كتابه "مثالب البصرة".

وهناك طرفة قد يكون من الخير أن نذكرها ونحن نعرف بالنضر بن شميل، فهو الرجل الذي كسب من حرف السين وحده ثمانين ألف درهم. فكيف كان ذلك؟

كان النضر جالسًا -وهو في حال فقره- في مجلس المأمون بمرو، وكان للمأمون مشاركة في العلوم الدينية ويردد أحاديث الرسول في مناسباتها، فقال والنضر جالس في ندوته: حدثني هشيم بن بشير، عن مجالد، عن الشعبي، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سداد "بفتح السين" من عوز فرد النضر قائلًا:


١ وفيات الأعيان "٥/ ٣٢".

<<  <   >  >>