إن هذا الكتاب سِفر نفيس لمؤلف يختلف عن بقية المؤلفين والأدباء؛ لأن مؤلف الكتاب شاعر مبدع وكاتب كبير، وهو إلى ذلك عالم جليل وناقد ذواقة، وهو بعد ذلك وقبله ملك سليل ملوك، إنه عبد الله بن الخليفة المعتز بالله بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن أبي جعفر المنصور. إنه ينحدر من أصلاب ستة ملوك جلسوا على أشهر عروش الدنيا، وهو عرش بني العباس.
ولكن كلا من عبد الله وأبيه كان سيء الحظ؛ لأن عبد الله تولى الخلافة ليوم واحد ثم قتل، وأبوه تولاها لفترة أربعين يومًا وقتل، بل إن جده المتوكل مات قتيلًا هو الآخر، إنه ثلاثي ملكي بائس منحوس، ولكن عبد الله إذا كان منحوسًا في دنيا السياسة وعلى دست العروش فقد كان سعيدًا مسعدًا في دنيا الأدب، ومحافل المعرفة وميادين الثقافة ومضامير الفنون.
إن عبد الله قد رُبِّي كما كان يربى أبناء ملوك بني العباس، كان يستدعى لهم عظام أساتذة زمانهم حتى تستوي لهم أسباب المعرفة من دينية ودنيوية، وحتى تتهيأ لهم أطراف الثقافة، ففي الحسبان أن كل واحد منهم معدٌّ؛ لأن يكون ملكًا، وقد اشتهر جميع ملوك بني العباس بالثقافة والعلم والمعرفة باستنثاء المعتصم، فقد كان كل اهتمامه منصبًّا إلى قيادة الجيش وخوض المعارك، وفيما عدا ذلك فقد كانوا في مكانة سامية من المعرفة وعلى ذرى رفيعة من الثقافة بل كان منهم المأمون الذي عده بعض المؤرخين أبًا للثقافة والمعرفة.
فعبد الله والحال كذلك كان له من الأساتذة من قد عدوا نجوم المعرفة على زمانه مثل محمد بن يزيد المبرد العالم الأديب اللغوي الكبير، وكان منهم أيضًا أبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب، ومحمد بن هبيرة الأسدي صاحب الفراء وأحمد بن صالح المشهور بابن أبي فنن.