للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: مجالس ثعلب]

سلفت الإشارة إلى أن مجالس ثعلب تعتبر أول محاولة صادقة في تأليف هذا النوع النافع من الكتب، الذي اصطلح على تسميته بالأمالي، وقد سبق لنا الحديث عن شخصية المؤلف وعلمه الغزير، وأدبه الوفير وخلقه وشمائله، كما سبق الحديث عن كتابه "الفصيح". وها نحن أولاء نحاول أن نبسط أمامنا المجلس لنتتبع طريق إلقائها ومنهج إنشائها، وما قد حوت من آداب ولغة وبقية فروع المعرفة التي عرض لها العالم الكبير أبو العباس، ثعلب.

أولًا: أما كتاب "المجالس" أو "الأمالي" كما يسميه بعض المؤرخين وكما ورد في آخر كل فصل من فصول الكتاب، فهو وإن لم يصب من الشهرة ما أصاب كتاب الفصيح، فإن ذلك لا يعني الغض من شأن الكتاب؛ فالمجالس كتاب فريد في نوعه؛ لأنه تسجيل دقيق للدروس التي كان يلقيها ثعلب على تلاميذه، والتي تشتمل على شرح آيات قرآنية شريفة وتخريج مفرداتها، أو حديث نبوي شريف أو التمثل بالشعر من خلال نصوص جديدة أحسن العالم الجليل اختيارها لخدمة تلاميذه وأكثرها لشعراء ثقات مجيدين وإن يكونوا جميعًا مشهورين، أو أرجوزة أو حديث أعرابي، أو أعرابية.

ثانيًا: ولقد اقتضت المجالس أن يفيض الشيخ في دروسه فإذا استغلق معنى على أحد التلاميذ سأل أستاذه عمَّا استغلق عليه فهمه، ومن هنا فإن الكتاب يحوي ألوانًا من المحاورات اللطيفة، وفي بعض صفحات الكتاب نلاحظ أن الشيخ أبا العباس لم يكن يتردد في أن يجيب على سائله بقوله: لا أدري، وهذه خلة جليلة عرف بها الشيخ الكبير. وإن أبا عمر الزاهد يؤكد شيئًا من ذلك، فيقول: كنت في مجلس أبي العباس ثعلب فسأل سائل عن شيء فقال: لا أدري، فقال له السائل: أتقول لا أدري وإليك تضرب أكباد الإبل، وإليك الرحلة من كل بلد؟ فقال له ثعلب: لو

<<  <   >  >>