نعود إلى فكرتنا عن معاصرة العلماء الأعلام بعضهم لبعض، إنه في الوقت الذي عاش فيه النويري بين سنتي ٦٧٧-٧٣٣هـ منسوبًا إلى مصر باعتباره مولودًا في إحدى قراها، كان يعيش في بلاد الشام عالمان هما صلاح الدين الصفدي وابن شاكر الكتبي.
لقد عاش العالم الجليل صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي -وقد مر بعض خبره- بين عامي ٦٩٦ و٧٦٤هـ معاصرًا للنويري مدة أربعين عامًا، وليس هناك ثمة شك في أنهما التقيا، فكل منهما عاش لفترة من الزمن في بلد الآخر. والصفدي وافر الإنتاج كثير التأليف غزير المادة، ألف عشرات من الكتب التي لا يخلو بعض موضوعاتها من طرافة، فمن ذلك على سبيل المثال كتابه "نكت الهميان في نكت العميان" الذي ترجم فيه لمشاهير العميان من العلماء والأدباء والأعلام، وتحدث عن طرفهم وبعض ما يريح الخاطر من أخبارهم وأمورهم ونوادرهم الأدبية، ولا زالت أحفظ منذ فجر صباي أبياتًا طريفة أوردها الصفدي في كتابه، هذا لشاعر يتغزل في عمياء يقول فيها:
إن الكمال أصاب في محبوبتي ... لما أصاب بعينه عينيها
زادت حلاوتها فصرت تخالها ... وسنى وقد أسر الكرى جفنيها
وكما علمت وللدبيب حلاوة ... فكأنني أبدًا أدب إليها
ليس هذا على كل حال موضوعنا فربما كان دافعي إلى ذكر هذه الطرفة هو شيء من الترويح عن النفس، وإنما الذي يهمنا أن صلاح الدين الصفدي، قد قرأ كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان -وهو أكثر موسوعات التراجم دقة وثقة- ورأى أن يستدرك ما فات ابن خلكان وأن يغطي الفترة الزمنية التي فصلت بينهما فأنشأ موسوعته النفيسة "الوافي بالوفيات" التي لم يطبع منها لسوء الحظ -حسبما ذكرنا في الباب الماضي- إلا أجزاء ثمانية حتى كتابة هذه الأسطر، وتقوم على نشرها الآن في فسبادن بألمانيا هيئة من المهتمين بنشر التراث العربي.
وأما ابن شاكر الكتبي فقد عاصر الصفدي بل إنه مات في العام نفسه الذي مات فيه