غير أنه من الإنصاف أن نعترف بوجود مرحلة في التأليف جمعت بين الأصالة والتقليد أو بالأحرى بين الأصالة والترجمة، ولقد تمثلت هذه المرحلة في عبد الله بن المقفع الفارسي الأصل المستعرب بعد ذلك لسانًا وبيانًا.
على أنه من التجاوز بمكان أن نعد ابن المقفع من المؤلفين، فهو لم يكن كذلك، وإنما هو يمثل مرحلة تجمع بين الكتابة والترجمة والتصنيف، لقد نبه عبد الله في كل ذلك، نبه شأنه وتفرد بأسلوبه السهل الممتنع الذي يستمتع به كل من يستعرض ما خلف من آثار منشأة أو مصنفة أو مترجمة، ومن ثم كان ابن المقفع يمثل مرحلة تطور طبيعي من ساحة الكتابة إلى ساحة التصنيف التي تؤدي بعد ذلك إلى مرحلة التأليف.
إن عبد الله، هو اسمه بعد أن استعرب وأسلم -أو ادعى الإسلام على رأي من طعن في إسلامه- وكان اسمه الحقيقي روزبه بن داذويه، لكنه نشأ في البصرة عند بني الأهتم الفصحاء وخالط الأعراب فأخذ عنهم الفصاحة واستقامة الكلام، ثم اتصل بعمال بني أمية على عهد مروان بن محمد وعمل كاتبًا لهم، أي أنه كان سوي العود مكتملًا أسباب الثقافة العربية التي تؤهله للكتابة في الربع الأول من القرن الثاني، ثم اتصل روزبه بعيسى بن علي،