[الفصل الثالث: موسوعات ما قبل العصر المملوكي بواكير الموسوعات]
[موسوعات ما قبل العصر المملوكي]
هذا ومن الخطأ البين أن يقال إن الموسوعات كانت مقصورة على الحقبة الزمنية المملوكية، فقد عرفت قبل ذلك بوقت طويل: لقد ألف علي بن الحسن الدمشقي المعروف بابن عساكر الذي عاش بين عامي ٤٩٩-٥٧١هـ موسوعته الضخمة "تاريخ دمشق الكبير" أو "مرآة الزمان في تاريخ الأعيان" -حسبما حلا له أن يسميه- في أربعين مجلدًا ضخمًا، وذلك قبل أن يظهر التتار أو يبين لهم أثر، ما دام البعض من الدارسين قد ذهب إلى أن السبب الرئيسي لتأليف الموسوعات هو غزو التتار لبغداد، ومن ثم وجب إنفاذ التراث، وتبعًا لهذا الحكم فإن فترة تأليف الموسوعات تتجرد من كل خلق فكري ومشاركة علمية وإبداع فني، وهو حكم ينبغي إعادة النظر فيه ونسخه تمهيدًا لتصحيحه وتصويبه.
وقبل التتار بزمان طويل ظهر العالم الجليل ابن الجوزي: عبد الرحمن بن علي القرشي البغدادي، عاش بين ٥٠٨-٥٩٧هـ وألف ثلاثمائة كتاب بينها موسوعته الأدبية التاريخية الفريدة "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" الذي لم يطبع منه لسوء الحظ غير ستة مجلدات.
على أن ابن الجوزي نفسه -فضلًا عن كتابه المنتظم- كان موسوعة هائلة من العلم والفن، وينبوعًا من المعرفة فياض العطاء، لقد ألف كتبًا في مختلف الأغراض المتنوعة منها على سبيل المثال "الأذكياء وأخبارهم" و"الحمقى والمغفلين"، "تلبيس إبليس"، "مناقب عمر بن عبد العزيز"، "روح الأرواح"، "المدهش في المواعظ والأخبار"، "دفع شبهة التشبيه والرد على المجسمة"، وهكذا عشرات من الكتب كل كتاب أو مجموعة كتب في فن قائم بذاته، وإذن لم يكن كتاب "المنتظم" وحده موسوعة، ولكن مؤلف المنتظم هو بنفسه موسوعة.
وقبل التتار أيضًا يولد ويموت ابن الأثير علي بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد