للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشيباني الجزري أبو الحسن عز الدين بين سنتي ٥٥٥-٦٣٠هـ، ويقدم للمعرفة موسوعتين نفيستين لا موسوعة واحدة هما "الكامل في التاريخ" من اثني عشر مجلدًا رتبه على السنين حتى عام ٦٢٩هـ أي قبل وفاته بعام، و"أسد الغابة في معرفة الصحابة" في خمسة مجلدات، فضلًا عن مؤلفات أخرى كثيرة من أشهرها تاريخ الدولة الأتابكية.

وكانت تلك الفترة الزمنية من السخاء العقلي والفيض العلمي بحيث تستطيع أن تقدم للإنسانية أسرة كل أفرادها من العلماء الأفذاذ، لقد كانت أسرة ابن الأثير واحدة من تلك الأسر، فكان عالمنا عز الدين مؤرخًا كبيرًا، وكان أخوه "نصر الله" أديبًا بلاغيًّا مرموقًا وهو صاحب كتاب "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" وكان أخوه الثالث "المبارك" محدثًا ثبتًا وأستاذ زمانه في علم الحديث.

وفي الموكب الحضاري العقلي الإسلامي المستمر العطاء يظهر ياقوت الحموي الرومي بموسوعتيه الكبيرتين النفيستين "إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب" المشهور باسم "معجم الأدباء"، "ومعجم البلدان" أثقل كتب الجغرافية الأدبية وزنًا وأعلاها قيمة.

وربما لم تكن المعجزة الفكرية كامنة في تأليف الموسوعتين المذكورتين على نفاستهما بقدر ما هي ماثلة في مؤلف الموسوعتين نفسه. إنه الغلام الرومي ياقوت الذي كان يملك رقبته رجل من بغداد اسمه عسكر بن إبراهيم الحموي، إن سيده اشتراه وكان غلامًا في العقد الأول من عمره، وعلمه ورباه وسمح له أن يتاجر له، ثم أعتقه سنة ٥٦٩هـ وكان عمر ياقوت حينئذ اثنين وعشرين عامًا إذ إنه مولود سنة ٥٧٤هـ وكانت وفاته سنة ٦٢٦هـ، لقد ظل ياقوت يعمل بالتجارة ويطوف في مشرق الدولة الإسلامية وشاهد انطلاقه التتار في الشرق وبعض المذابح التي جبلوا على اقترافها فعاد مسرعًا إلى المشرق واستقر في بلاد الشام إلى أن مات في حلب.

إن ياقوت غير العربي، المسلم في أول أمره تربية أو ولاء تفتح له الحضارة الإسلامية ذراعيها مرحبة فيلقي بنفسه بين راحتيها وهو الذي عاش أكثر عمره تاجرًا مسافرًا، فيقدم للمعرفة الموسوعتين النفيستين اللتين أشرنا إليهما واللتين لا يستغني عن واحدة منهما أي مشتغل بالأدب أو التاريخ أو الجغرافيا، هذا فضلًا عن كتب أخرى قيمة للأديب الباحث الحضاري ياقوت مثل "المشترك وصفًا والمفترق ضعفًا" و"المقتضب من جمهرة النسب".

وفي الفترة الزمنية نفسها تظهر موسوعة أخرى فريدة في نوعها وإن كان أصل موضوعها التاريخ، بل تاريخ بلدة بعينها، إنها "بغية الطلب في تايخ حلب" لكمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة المشهور بابن العديم الذي عمر أطول كثيرًا مما عمر ياقوت، وإن كان ياقوت يسبقه ميلادًا بأربعة عشر عامًا، فقد ولد ابن العديم سنة ٥٨٨ وتوفي ٦٦٠هـ، وإن "بغية الطلب" الموسوعة الضخمة التي كتبها ابن العديم هي بغية كل مشتغل بالأدب أوبالتاريخ أو

<<  <   >  >>