وإذا كان ابن تغري بردي يعتبر تلميذًا أمينًا منتميًا إلى مدرسة المقريزي، فإن لابن حجر بدوره تلميذًا نجيبًا وفيًّا، هو شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي الذي بلغ من إعجابه بأستاذه وتقديره لعلمه وشخصه أن ألف فيه كتابًا أسماه "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر".
لقد عاش السخاوي بين سنتي ٨٣١، ٩٠٢ الهجريتين، وأسرته من قرية سخا في شمال دلتا النيل، ولكن مولده كان بالقاهرة ووفاته كانت في المدينة، وقد ترك من التآليف ما يناهز المائتي مصنف، غير أن الذي نهتم له ونحن نتحدث عن الموسوعات، هو كتابه "الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع" وقد سبقت الإشارة إليه في باب التراجم، ويقع في اثني عشر مجلدًا، ومن الطرائف أنه لم ينس ذاته فترجم لنفسه في حوالي ثلاثين صفحة من كتابه هذا.
إننا نريد -وقد هدفنا إلى هذا العرض للموسوعات المملوكية- أن نصل إلى رأي ينصف العصر ويقشع عن سمائه الغمامة ويزيل ما التبس من أمره عند جمهرة العامة وكثرة من الخاصة، ونقرر أن العصر المملوكي الذي ظهر فيه القلقشندي "بصبحه" والنويري "بنهاية أربه" وابن فضل الله العمري "بمسالكه" قد ظهر إلى جوارهم فيه كثيرون غيرهم يتفاوتون فضلًا ويتمايزون قدرًا، ولكن ليس بينهم إلا صاحب فضل وفير وعلم غزير وخلق وإبداع بالإضافة إلى التأليف والتصنيف، يستوي في ذلك من مر ذكرهم قبل قليل أو من ضاقت المناسبة عن تفصيل أسمائهم وأعمالهم.