يعتبر أبو حيان التوحيدي ٤٠٠هـ، واسمه الأصلي علي بن محمد بن العباس، واحدًا من ألمع مفكري العربية، وأدبائها حتى إنه لقب بفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، ذلك أن كتبه تجمع إلى عمق الفكرة أناقة العبارة ورشاقة الأسلوب، ومن أجل ذلك أيضًا، فضلًا عن انتهاجه مذهب المعتزلة فإن بعض المؤرخين يلقبونه بالجاحظ الثاني.
وأبو حيان على نباهة شأنه كان سيء الحظ في حياته مضطهدًا محدود الرزق. عمل بالوراقة والنسخ حينًا، وفي خدمة الوزير ابن العميد ثم الوزير الصاحب بن عباد حينًا آخر، ولم يلق من أي منهما إلا كل إهمال واحتقار، الأمر الذي دفع به إلى أن يكتب فيهما كتابًا كبيرًا أسماه "أخلاق الوزيرين" أو "مثالب الوزيرين" نال من قدرهما بقسوة على ما فيهما من فضل وعلم ومروءة.
لقد كان أبو حيان خصيب الفكر ثر العطاء متبحرًا بعمق في عديد من ألوان المعرفة، وألف أكثر من عشرين كتابًا من عيون الفكر العربي وآدابه، ولكن حين ضاقت به أسباب الرزق -على عمله الوفير- بحيث اضطر إلى أن يأكل حشيش الأرض، حقد على الناس جميعًا، وتبلور حقده عليهم في إحراق كتبه حتى يحرم الجمهرة فضله، ولم يسلم منها إلا ما كان منها من نسخ في أيدي الناس.
ولقد حير أبو حيان المؤرخين من حيث أفكاره، وعقيدته فبينما يخلع عليه ياقوت الحموي لقب شيخ الصوفية وفيلسوف الأدباء، يتهمه ابن الجوزي بالزندقة، ويجسم من خطره فيجعله أخطر الزنادقة جميعًا، يقول ابن الجوزي: زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراوندي، والتوحيدي، والمعري، وشرهم التوحيدي؛ لأنهما صرحا ولم يصرح، أي لأن كلا من ابن الرواندي وأبي العلاء المعري أعلنا زندقتهما، وأما أبو حيان فلم يعلن زندقته أو يصرح بها.