إن كتاب الفهرست يعتبر المحاولة الأولى في فن التراجم في التراث العربي والإسلامي، وهو مع بكورته زمنًا وأوليته من حيث المحاولة خرج إلى دنيا المعرفة شامخًا ثريًّا خصيبًا، بل إنه ليس المحاولة الأولى في التراجم وحسب بل إنه المحاولة الأولى في الببلوجرافيا العربية وبالتالي الببلوجرافيا العالمية من حيث الممارسة؛ لأن العرب كانوا من أصحاب السابقات في هذا الميدان من غيرهم.
فابن النديم -مؤلف الفهرست وهذا حاله- يعتبر رائد علم التراجم في الفكر الإسلامي والمكتبة العربية من حيث التأليف، وأما من حيث التطبيق فإن المكتبات الإسلامية الكبرى مثل مكتبة المستنصر في قرطبة، ودار الحكمة في القاهرة ودار العلم في بغداد فقط كانت تضارع أضخم المكتبات العالمية في زماننا هذا١، هذا فضلًا عن مكتبات الموصل، ودمشق، والبصرة، ونيسابور والري وأصبهان ومرو وغيرها من مكتبات المساجد والمدارس والمستشفيات.
إن شهرة ابن النديم من حيث كونه مؤلف أول كتاب عربي في التراجم، والببلوجرافيا واسعة عريضة، ولكن شخصه وسيرته لم يكونا موضع عناية أحد من كتاب التراجم الذين جاءوا بعده وإن استعانوا جميعًا بكتابه، ولا يدري أحد متى ولد أو مات. ولكننا نفهم من خلال كتابه "الفهرست" أمرين: الأول أنه ألف الكتاب على مراحل بدأها سنة ٣٧٧هـ حسبما هو واضح من مقدمته. والأمر الثاني أنه مات بعد سنة ٤٠٠هـ؛ لأنه يترجم لأعلام توفوا بعد