[الفصل الثاني: إسهام المسلمين في تطوير الكتابة من منطلق عربي]
[عبد الحميد بن يحيى]
إن عبد الحميد لم يكن عربيًّا، وإنما هو فارسي، وفارسيته إن كانت تعني شيئًا لدى بعض الدارسين فيما يتصل بنبوغه في الكتابة وسلاسة أسلوبه فيها، فإنها عندنا لا تعني شيئًا ذا بال، فإن عبد الحميد بن يحيى يعتبر امتدادًا طبيعيًّا لمدرسة الكتابة التي بدأت بيحيى بن يعمر وأمثاله الذين لا شك قد وجدوا. فلدينا نماذج أخرى من رسائل جرت بين الحجاج وقطري بن الفجاءة تسير على النهج نفسه الذي رسمه يحيى بن يعمر من تقعر في الألفاظ، وتوعر في العبارات، ولدينا نماذج أيضًا لرسائل بعث بها الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يصف فيها حال العراق في إحدى سنوات ولايته وكأنه أراد أن يرسل إلى الملك المرواني في دمشق بتقرير عن أحوال رعيته في العراق. ثم بعد ذلك جاءت مرحلة التوسط التي مثلها عبد الله الطالبي.
نقول إن مدرسة عبد الحميد إن هي إلا امتداد متطور متدرج للنهج العربي في الكتابة جعل منها مهنة لها مبادئ وأصول وتقاليد ودستور، وقد فصل عبد الحميد مبادئه في رسالته المشهورة إلى الكتاب التي ملأها بالنصح وبين فيها مكانة الكاتب وشرف مهنته، وفضل الكتاب وأثرهم على الدولة وانتظام شئونها، كما ركز على الصفات التي ينبغي أن يتصف بها الكتاب، والأسلحة التي يجمل بهم أن يتسلحوا بها، من خلق، وعلم وأدب وفقه، ودين، وحفظ لكتاب الله، وتعلم اللغة، ورواية للأشعار، ومعرفة بأيام العرب والعجم، ثم هو يحضهم في رسالته على احترام الناس، واحترام بعضهم بعضًا، وتوقير الكبير وتشجيع الصغير والعطف على المسنين، ويطلب إليهم الكياسة والنظافة والأناقة، كل ذلك في رسالته المطولة التي جعلت منه إمامًا لمدرسة الكتاب حتى جرى المثل السائر الذي يقال:"بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد".