للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

امرأتي حملتي على إتيان الجمعة اليوم ما جمعت١، وأنا أشهدكم أنها مني طالق ثلاثًا!

ولذلك قال الشاعر:

وما ضرني أن لا أقوم بخطبة ... وما رغبتي في ذا الذي قال وازع

قال وازع: ودخلت على أنس بن أبي شيخ٢، وإذا رأسه على مرفقه، والحجام يأخذ من شعره، فقلت له: ما يحملك على هذا؟ قال: الكسل. قلت: فإن لقمان قال لابنه: إياك والكسل، وإياك والضجر، فإنك إذا كسلت لم تؤد حقًّا، وإذا ضجرت لم تصبر على حق. قال ذاك والله أنه لم يعرف لذة الفسرلة، يعني الرزالة والنذالة٣.

فالجاحظ حينما يسخر يمعن في السخرية، ولكن في لطف، وهو قادر على الإمتاع والإضحاك والتسرية عن النفس حينما يعمد إلى ذلك، وقد يفعل ذلك عن عمد في أكثر كتبه، وخاصة في البيان والتبيين لعمق الكتاب ودقة أفكاره وسمو مستواه.

هذا ولما كان الجاحظ صاحب أسلوب ورائد كتابة فلم يفته أن يخص السجع بدراسة في كتابه، والسجع كما نعلم لازم الأسلوب العربي قولًا وإنشاء لعديد من القرون، ولذلك فقد أورد الجاحظ العديد من الأقوال المسجوعة لأعراب وحضر، ومن الرسائل والخطب التي لا تكاد تخلو واحدة منها من التزام السجع.

أما أسلوب الجاحظ نفسه في كتابه فهو أسلوبه في كل كتاب وفي كل رسالة، إشراق في غير ما تصنع، ومزاوجة يبدو الحرص على الإتيان بها واضحًا، وقبول للسجعة إذا جاءت عفو الخاطر دون ما سعى إليها أو محاولة لتوليدها.

كتاب الحيوان:

هذا الكتاب قد أهداه مؤلفه إلى محمد بن عبد الملك الزيات وزير المتوكل على ما مر بنا ومعنى ذلك أنه كتبه قبل البيان والتبيين، وقد نال شيئًا من المكافأة عن كل من الكتابين.

هذا وإذا كان الكتاب يحمل عنوان "الحيوان" فليس معنى ذلك أن الكتاب مختص بالحيوان وحسب، ولكنه كتاب أدب عناصره أصناف الحيوان، وما حيك حولها من قصص وعلوم، وما ألف فيها من عادات وأمراض، وما قيل فيها من حكم وأشعار.


١ جمع الرجل، بتشديد الميم: صلى الجمعة. وفي الحديث: "أول جمعة جمعت بالمدينة".
٢ كان أنس بن أبي شيخ من البلغاء الفضلاء، وكان كاتبًا للبرامكة، وقتله الرشيد على الزندقة سنة سبع وثمانين ومائة، وهي سنة نكبة البرامكة.
٣ البيان والتبيين "٢/ ٢٤٩" وما بعدها.

<<  <   >  >>