للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: القومية

على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم, آخى بين المهاجرين والأنصار, على أساس من آصرة الإسلام, وليس على أساس أيّ آصره أخرى, آخى بين بلال بن رباح وخالد بن رويحه الخثعمي، وبين مولاه زيد وعمه الحمزة بن عبد المطلب، وبين خارجة بن زيد وأبي بكر الصديق، وبين عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان.

ولما أراد أحد المسلمين أن يثيرها عصبيةً ونادى: يا للأنصار, فنادى الآخر: يا للمهاجرين, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غاضبًا: "أبدعوى الجاهلية, وأنا بين أظهركم..! " وفي حديثه -صلى الله عليه وسلم- أكد المعنى فقال: "ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية, أو يدعو إلى عصبية, أو ينصر عصبية, فقُتِلَ فقتلته جاهلية".

وكان من آخر وصاياه يوم حجة الوداع: "كلكم لآدم وآدم من تراب, لا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض.. إلّا بالتقوى!! ".

وعلى عهد الراشدين -رضوان الله عليهم, ضمت أرض الإسلام أكبر إمبراطوريتين على وجه الأرض: الروم والفرس, فما فُضِّلَ عربيٌّ على عجميّ لعروبته, أو جنسه, أو لونه, إنما كان الفضل بعد التقوى للعمل الصالح, والعمل الصالح وحده, وعرفت علوم الإسلام في فروعها المختلفة فقهاء وعلماء من الأمصار, ليس فيهم من العرب إلّا النزر اليسير١.


١ قال ابن أبي ليلى: قال لي عيسى بن موسى, وكان ديانًا شديد العصبية للعرب: من كان فقيه البصرة؟ قلت: الحسن بن الحسن, قال ثم مَنْ؟ قلت: محمد بن سيرين, قال: فما هما؟ قلت: موليان, قال:
مَنْ كان فقيه مكة؟ قلت: عطاء بن رباح, ومجاهد, وسعيد بن جبير, وسليمان بن بسلة, قال: فما هؤلاء؟ قلت: موالي, قال: فمن كان فقهاء المدينة؟ قلت: زيد بن أسلم, ومحمد بن المنكدر, ونافع بن أبي نجيح, قال: فما هؤلاء؟ قلت: موالي؟ فتغير لونه ثم قال: فمن كان أمته أهل قباء؟ قلت: ربيعة الراي وابن أبي الزناد, قال: كأنّا قلت: من الموالي.. فمازال يسأله عن فقهاء اليمن وخرسان والشام, وهو يجيبه بأسماءٍ من الموالي, حتى بلغ فقهاء الكوفة, فقال: والله لولا خوفه لقلت الحكم بن عقبة, وعمار بن أبي سليمان, ولكن رأيت فيه الشر, فقلت: إبراهيم النخعيّ والشعبيّ, قال: فماكانا؟ قلت: عربيان.

<<  <   >  >>