قوله: " يخونون ولا يؤتمنون ": هذا هو الوصف الثاني لهم; أي: أنهم أهل خيانة وليسوا أهل أمانة، فلا يأتمنهم الناس، وليس المعنى أنه تقع منهم الخيانة بعد الائتمان حتى يقال: لماذا لم يقل: يؤتمنون ويخونون؟ فكأن الخيانة طبيعة لهم; فلخيانتهم لا يؤتمنون. الخيانة: الغدر والخداع في موضع الائتمان، وهي من الصفات المذمومة بكل حال. وأما المكر والخديعة; فهي مذمومة في حال دون حال، فقد تكون محمودة إذا كانت في مقاتلة عدو ماكر خادع لدلالتها على القوة والإيقاع بالعدو من حيث لا يشعر، ولهذا يوصف الله -سبحانه وتعالى- بالمكر والخداع في الحال التي يكون فيها مدحا، قال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} ١ وقال تعالى {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} ٢ وأما الخيانة; فلا يوصف الله بها أبدا; لأنها ذم بكل حال، ولهذا كان قول العامة: خان الله من خان، حراما; لأنهم وصفوا الله بما لا يصح أن يوصف به، قال الله تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} ٣ ولم يقل: فخانهم.