قوله: " لا يأتي بالحسنات إلا أنت "١ أي: لا يقدرها ولا يخلقها ولا يوجدها للعبد إلا الله وحده لا شريك له، وهذا لا ينافي أن تكون الحسنات بأسباب; لأن خالق هذه الأسباب هو الله، فإذا وجدت هذه الحسنات بأسباب خلقها الله; صار الموجد حقيقة هو الله. والمراد بالحسنات: ما يستحسن المرء وقوعه، ويحسن في عينه. ويشمل ذلك الحسنات الشرعية; كالصلاة والزكاة وغيرها; لأنها تسر المؤمن، ويشمل الحسنات الدنيوية; كالمال والولد ونحوها، قال تعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} ٢ وقال تعالى في آية أخرى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} ٣. وقوله: إلا أنت: فاعل يأتي; لأن الاستثناء هنا مفرغ. قوله: " ولا يدفع السيئات إلا أنت "٤ السيئات: ما يسوء المرء وقوعه وينفر منه حالا أو مآلا، ولا يدفعها إلا الله، ولهذا إذا أصيب الإنسان بمصيبة التجأ إلى ربه تعالى، حتى المشركون إذا ركبوا في الفلك، وشاهدوا الغرق; دعوا الله مخلصين له الدين. ولا ينافي هذا أن يكون دفعها بأسباب; فمثلا لو رأى رجلا غريقا، فأنقذه; فإنما أنقذه بمشيئة الله، ولو شاء الله لم ينقذه; فالسبب من الله. فعقيدة كل مسلم أنه لا يأتي بالحسنات إلا الله، ولا يدفع السيئات إلا الله، وبمقتضى هذه