قوله: " مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ": هذه رحمة مضافة إلى الفاعل ومفعولها محذوف، والتقدير (من رحمة ربه إياه) . قوله: " إلا الضالون ": إلا: أداة حصر; لأن الاستفهام في قوله: "ومن يقنط" مراد به النفي، و"الضالون"فاعل يقنط والمعنى لا يقنط من رحمة الله إلا الضالون، والضال: فاقد الهداية، التائه الذي لا يدري ما يجب لله سبحانه، مع أنه سبحانه قريب الغير، ولهذا جاء في الحديث: (عجب ربنا من قنوط عباده، وقرب غيره; ينظر إليكم أزلين قنطين، فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب ((١) . وأما معنى الآية فإن إبراهيم عليه السلام لما بشرته الملائكة بغلام عليم قال لهم: {أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ، قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ، قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} ، [الحجر: ٥٤-٥٦] . فالقنوط من رحمة الله لا يجوز; لأنه سوء ظن بالله (، وذلك من وجهين: الأول: أنه طعن في قدرته سبحانه; لأن من علم أن الله على كل شيء قدير لم يستبعد شيئا على قدرة الله.