للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

......................................................................


الفعل خير; لأنك تريد مصلحته، ثم إن ما يقدره الله لا يكون شرا محضا، بل في محله وزمانه فقط، فإذا أخذ الله الظالم أخذ عزيز مقتدر; صار ذلك شرا بالنسبة له، وقد يكون خيرا له من وجه آخر، أما لغيره ممن يتعظ بما صنع الله به، فيكون خيرا، قال تعالى في القرية التي اعتدت في السبت: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} ١.
وكذا إذا استمرت النعم على الإنسان حمله ذلك على الأشر والبطر، بل إذا استمرت الحسنات ولم تحصل منه سيئة تكسر من حدة نفسه; فقد يغفل عن التوبة وينساها ويغتر بنفسه ويعجب بعمله. وكم من إنسان أذنب ذنبا ثم تذكر واستغفر وصار بعد التوبة خيرا منه قبلها; لأنه كلما تذكر معصيته هانت عليه نفسه وحد من عليائها; فهذا آدم عليه الصلاة والسلام لم يحصل له الاجتباء والتوبة والهداية إلا بعد أن أكل من الشجرة وحصل منه الندم، وقال: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ٢ فقال تعالى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} ٣.
والثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك فخلفوا ماذا كانت حالهم بعد المعصية وبعد المصيبة التي أصابتهم; حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وصار ينكرهم الناس حتى أقاربهم -صار قريبه يشاهده وكأنه أجنبي منه-، ومن شدة ما في نفسه تنكرت نفسه عليه، فبعد هذا الضيق العظيم صار لهم بعد التوبة فرح ليس له نظير أبدا، وصارت حالهم أيضا بعد أن تاب الله عليهم أكمل من قبل، وصار ذكرهم بعد التوبة أكبر من قبل، فقد ذكروا بأعيانهم، قال تعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>