وأعل أيضا بالإرسال كما قال الحاكم وغايته أنها لا تصح صلاتها إلا بستر رأسها لأن الخمار هو ما يستر به الرأس وليس فيه زيادة على ذلك.
وأما حديث أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أتصل المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار فقال:"إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها" [أبو دأود "٦٤٠"] ، أخرجه أبو دأود والحاكم وقد أعل بالوقف قال ابن حجر وهو الصواب قال أبو دأود روى هذا الحديث مالك بن أنس وبكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر وابن أبي ذئب وابن إسحق عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة ولم يذكر واحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم يروونه عن أم سلمة انتهى.
فهذا الحديث لا تقوم به حجة لكونه من قول أم سلمة ولو سلمنا أن العمل على رواية من رفعه كما يقوله أهل الأصول فلا أقل من ان يكون هذا التفرد علة تمنع من انتهاضه للحجية.
قوله:"وندب للظهر والهبربة والمنكب".
أقول: لا دليل على ذلك فإن الندب حكم شرعي لا يجوز إثباته إلا بدليل وقد استدل على ندب ستر الظهر والمنكب بحديث أبي هريرة مرفوعا: "لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" [البخاري "٣٥٩"، مسلم "٥١٦"، أبودأود "٦٢٦"، النسائي ٧٧٠"] . وهو في الصحيحين وغيرهما والعاتق هو ما بين المنكبين إلي أصل العنق فليس فيه دليل على ستر الظهر وأيضا ليس المقصود من الحديث ستر المنكبين بل المراد منه أن يأمن من استرخاء الثوب وسقوطه وقد ثبت ما يفيد هذا المعنى من حديث أبي هريرة عند البخاري وغيره قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى في ثوب واحد فليخالف بطرفيه" [البخاري "٣٦٠"، أبو دأود "٦٢٨"] ، فليس المراد بالمخالفة إلا ما ذكرنا لا الستر للمنكب.
وأيضا قد ثبت من حديث جابر في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صليت في ثوب واحد فإن كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به" [البخاري "١/٤٧٢"، مسلم "٣٠١٠"، أب دأود "٦٣٤"] .
ويالله العجب من جعل ستر الهبريتين مندوبا فإنه لم يكن ذلك من رأي مستقيم فضلا عن أن يكون عن دليل.
قوله: "الثالث طهارة محموله وملبوسه"
أقول: قد قدمنا لك أن الشرطية التي يستلزم انتفاؤها انتفاء المشروط لا تثبت إلا بدليل خاص وهو ما قدمنا في طهارة البدن ولم يأت في طهارة الثياب حال الصلاة إلا ما غايته الأمر بالطهارة وذلك لا يستلزم الشرطية أصلا فجعل طهارة المحمول والملبوس شرطا من شروط الصحة ليس كما ينبغي.
وأشف ما استدلوا به حديث "أنه صلى الله عليه وسلم خلع نعله في الصلاة لما أخبره جبريل بأن فيها قذرا" [أحمد ٣/٢٠، ٩٠"، أبو دأود "٦٥٠"] ، ولا يخفاك أن هذا مجرد فعل يقصر عن الدلالة على الوجوب فضلا عن الدلالة على الشرطية.