بمثل هذا لكان مستحقا لحجره عن التصرف في ماله لبلوغه من السفه إلي هذه الغاية والتوفيق بيد الرب سبحانه.
قوله: "إلا فاسقا أو في حكمه".
أقول: الفاسق من المسلمين المتعبدين بالتكاليف الشرعية من الصلاة وغيرها فمن زعم أنه قد حصل فيه مانع من صلاحيته لإمامة الصلاة مع كونه قارئا عارفا بما يحتاج إليه في صلاته فعليه تقرير ذلك المانع بالدليل المقبول الذي تقوم به الحجة وليس في المقام شيء من ذلك أصلا لا من كتاب ولا من سنة ولا من قياس صحيح فعلى المنصف أن يقوم في مقام المنع عند كل دعوى يأتي بها بعض أهل العلم في المسائل الشرعية.
وما استدل به على المنع من تلك الأحاديث الباطلة المكذوبة فليس ذلك من دأب أهل الإنصاف بل هو صنع أرباب التعصب والتعنت فإياك أن تغتر بما لفقه الجلال في هذا البحث وجمع فيه بين المتردية والنطيحة وما أكل السبع فإن هذا دأبه في المواطن التي لم ينتهض فيها الدليل.
ومن تتبع شرحه لهذا الكتاب عرف صحة ما ذكرناه.
وإذا عرفت هذا فلا تحتاج إلي الاستدلال على جواز إمامة الفاسق في الصلاة ولا إلي معارضة ما يستدل به المانعون فليس هنا ما يصلح للمعارضة وإيراد الحجج وبيان ما كان عليه السلف الصالح من الصلاة خلف الأمراء المشتهرين بظلم العباد والإفساد في البلاد.
نعم يحسن أن يجعل المصلون إمامهم من خيارهم كما أخرجه الدارقطني عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم" وفي إسناده سلام بن سليمان المدائني وهو ضعيف.
وأخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه صلى الله عليه وسلم: "إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم".
ولكن ليس محل النزاع إلا كونه لا يصلح أن يكون الفاسق ومن في حكمه إمأما لا في كون الأولى أن يكون الإمام من الخيار فإن ذلك لا خلاف فيه.
قوله: "وصبيا".
أقول: الأحاديث الواردة في أن الأولى بالإمامة الأقرأ أو من كان أكثر قرآنا شاملة للصبي ومنها حديث ابن عمرو بن سلمة الثابت في اصحيح البخاري ["٦٣١"] ، وغيره [أبو دأود "٥٨٩"، النسائي "٧٨١"، مسلم "٦٧٤"، الترمذي "٢٠٥"، ابن ماجة "٩٧٩"] أنه أم قومه وهو ابن ست سنين أو سبع أو ثمان وذلك أنه لما وفد أبوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما قال له: "وليؤمكم أكثركم قرآنا"، وكان الصبي عمرو بن سلمة أكثرهم قرآنا لأنه كان يسأل من يمر بهم من الوفد عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به فيحفظ ما يروونه له من القرآن.
وقد ورد ما يدل على أنه وفد مع أبيه كما رواه الدارقطني وابن منده والطبراني.