قدمنا لك أن التشهد الأوسط مذكور في حديث المسيء فكان ذلك دليلا على وجوبه فلا يتم هذا الاستدلال ولكن يستدل على السجود بترك المسنون بحديث ثوبان عند أبي دأود وابن ماجة [ابن ماجة "١٢١٩"، أبو دأود "١٠٣٨"، أحمد "٥/٢٨٠"] ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل سهو سجدتان" وقد قيل إن في إسناده انقطاعا لأنه مروي عن طريق عبد الرحمن ابن جبير بن نفير عن ثوبان ولم يدركه عبد الرحمن.
ويجاب عن هذا بأنه رواه أبو دأود من طريق شيخة عمرو بن عثمان الحمصي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان فلا انقطاع.
وأما تضعيف الحديث بأن في إسناده إسماعيل بن عياش فالمقال الذي فيه لا يوجب طرح حديثه.
ويؤيد هذا الحديث ما رواه البيهقي من حديث عائشة بلفظ: "سجدتا السهو تجزئان من كل زيادة ونقصان".
وقد قدمنا أن السجود لترك مسنون لا يكون واجبا لئلا يزيد الفرع على أصله فغايته أن يكون مسنونا كأصله ولم يرد في ترك المسنون ما يدل على وجوب سجود السهو له كما عرفت بل يختص الوجوب بما ورد الأمر به كالأحاديث التي فيها: "وليسجد سجدتين" وليس ذلك في ترك المسنون.
وأما إيجاب السجود لمن ترك المسنون عمدا فهو عكس ما يدل عليه عنوان هذا الباب فإنه قال: "باب سجود السهو"
وأما تعليلهم بأنه إذا وجب السجود للسهو فوجوبه للعمد أولى فليس ذلك بشيء ها هنا فإن مشروعية السجود قد عللها الشارع بأن في السجود ترغيما للشيطان وأن السجدتين مرغمتان والمتروك عمدا ليس من جهة الشيطان بل من جهة المصلى نفسه.
قوله: "والثاني ترك فرض في موضعه سهوا".
أقول: يدل على هذا سجوده صلى الله عليه وسلم على ركعتين كما في بعض الأحاديث وعلى ثلاث كما في بعض أخرى وسجوده لما صلى خمسا وهي أحاديث صحيحة وهي كلها تدل على وجوب السجود لمثل ذلك.
وأما قوله: "مع أدائه قبل التسليم على اليسار ملغيا ما تخلل وإلا بطلت" فمردود بما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال فصلى ما تركه بتكبير وتسليم مع عدم الإلغاء لما كان قد صلاه وهذا دليل أوضح من الشمس ثابت في حديث ذي اليدين وغيره ولم يرد في هذه الشريعة ما يخالف ذلك قط ولكن أبى كثير من المفرعين إلا ترجيح رأيهم المعكوس واجتهادهم المنكوس بلا برهان.
وهكذا يصنع المتعمدون في إثبات الأحكام الشرعية على الرأي دون الرواية وإنها لرزية في الدين وفاقرة من فواقر المفرعين.