فإن قلت قد تبين بفعله صلى الله عليه وسلم أن تارك الركعة أو الركعتين يأتي بهما بعد تسليمه الذي وقع منه سهوا فما حكم من ترك مثلا سجدة.
قلت حكمه أن يأتي بها قبل أن يسلم إن ذكرها وإن لم يذكر إلا بعد التسليم كبر وسجد وسلم اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم فيما تركه والسجود هو جزء من الركعة وللجزء حكم الكل.
وما أبعد هذا من أذهان المقلدين وأنفر طبائعهم عنه.
قوله: "ومن ترك القراءة أو الجهر أو الإسرار أتى بركعة".
أقول: هذا رأي بحث ليس عليه أثارة من علم والعجب ممن يتجارأ على إثبات مثل هذا ويكلف الناس به ويزعم أنه الشرع الذي شرعه الله ورسوله لعباده وهو يعلم أنه ليس في ذلك حرف واحد من كتاب ولا سنة ولا قياس صحيح.
فإن قلت فمإذا لديك في مثل هذا؟.
قلت أما من ترك القراءة فقد قدمنا من الأدلة الصحيحة الكثيرة ما يدل على أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب بل قدمنا ما يدل على انه لا ركعة إلا بفاتحة الكتاب وهذا الدليل يفيد أن وجود تلك الصلاة التي لم يقرأ فيها المصلي أصلا باطلة وجودها كعدمها.
وأما من ترك الجهر أو الإسرار فالأمر يسير ليس هنا ما يوجب بطلان الصلاة وغايته على تقدير ثبوت ما يدل على الوجوب أنه ترك واجبا وصلاته صحيحة وعليه أن يسجد للسهو.
قوله: "الثالث زيادة ذكر جنسه مشروع فيها".
أقول: هذه دعوى مجردة بل شريعة متبوعة فالصلاة كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" [مسلم "٥٣٧"] ، فمن جاء بتسبيحة أو تسبيحات أو تكبيرة أو تكبيرات في الموضع الذي شرع جنسها فيه فهو زيادة في ثوابه ومضاعفة لحسناته وإن كرر ما لم يشرع فيه إلا المرة الواحدة كتكبيرة النقل إذا كبر عند الانتقال من ركن إلي ركن تكبيرتين أو ثلاثا فقد خالف السنة بذلك ولا سجود عليه لعدم الدليل على ذلك لا من قول ولا فعل.
وهكذا إذا سبح في موضع التشهد ونحو ذلك.
وأما الجمع بين سورتين أو سور في ركعة فقد وردت به السنة من أنكر ذلك فهو الجاني على نفسه بتركه لعلم السنة فإن قرأ في غير موضع القراءة فقد ورد النهي عن القراءة في الركوع والسجود ففاعل ذلك عمدا آثم ولا دليل يدل على أنه يسجد من فعل ذلك للسهو لأنه متعمد وعلى فرض أنه فعل ذلك سهوا وأن حديث: "لكل سهو سجدتان" يشمله فلا يلحق به إلا فعل ما هو منهي عنه في غير موضعه لا ما كان في موضعه وليس هذا مراد المصنف.
وأما قوله: "إلا كثيرا في غير موضعه" فقد قدمنا الكلام في الفعل الكثير فليرجع إليه.
وأما إيقاع التسليمتين في غير موضعهما فإن كان سهوا فلا يفسد به ما تقدمهما من الصلاة لما تقدم في حديث ذي اليدين وما ورد في معناه بل صلاته قبل التسليم سهوا صحيحة ويقوم يأتي بما فاته بتكبير مستأنف.