قوله: "ولا سهو لسهوه"
أقول: سجود السهو قد قدمنا أنه صار كالصلاة المستقلة لوجود خاصيتها فيه وهو كون تحريمهه التكبير وتحليله التسليم.
وقد اتفق الجميع أنه يبطل بمبطلات الصلاة كالحدث ونحوه فلو صح ما قالوه من لزوم التسلسل لكان الحدث غير مبطل له.
وإذا عرفت هذا فالسهو فيه كالسهو في الصلاة بشمول أحاديث السهو له لأنه صلاة.
وأما ما قاله بعض أئمة النحو من أن المصغر لا يصغر فهو بمعزل عن علم الفقه في الدين.
قوله: "ويستحب سجود بنية وتكبيرة لا تسليم أحدها شكرا".
أقول: قد وردت أحاديث كثيرة بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها فيه ضعف ومجموعها مما تقوم به الحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجود شكر في مواضع ولم يرد في ذلك غير فعله صلى الله عليه وسلم فلم يكن واجبا ولم يرد في الأحاديث غير فعله صلى الله عليه وسلم للسجود ولم يرد أنه كبر ولا أنه سلم فالمشروعية تتم بمجرد فعل السجود.
فإن قلت لم يرد في الأحاديث ما كان يقوله صلى الله عليه وسلم في سجود الشكر فمإذا يقول الساجد للشكر.
قلت ينبغي أن يستكثر من شكر الله عز وجل لأن السجود سجود الشكر.
فإن قلت نعم الله على عباده لا تزال واردة عليه في كل لحظة؟
قلت المراد النعم المتجددة التي يمكن وصولها إلي العبد ويمكن عدم وصولها ولهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد إلا عند تجدد تلك النعم مع استمرار نعم الله سبحانه وتعالي عليه وتجددها في كل وقت.
قوله: "واستغفارا"
أقول: لم يرد في هذا شيء وليس في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في "ص" وقال: "سجدها دأود توبة ونسجدها شكرا" [النسائي "٩٥٧"] ، ما يدل على مشروعية السجود للاستغفار لأن ذلك هو بيان لمشروعية سجدة التلأوة في صلي الله عليه وسلم وأن دأود عليه السلام فعلها للتوبة ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم للتوبة بل قال: "ونسجدها شكرا" فلم يقرر النبي صلى الله عليه وسلم سجود التوبة من دأود بل خالفه فليس ذلك من شرع من قبلنا كما زعمه البعض لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرره وغاية ما في الحديث أنه يحسن السجود في صلي الله عليه وسلم شكرا عند تلأوة الآية أو سماعها.
ولكنه قد ورد أن السجود هو مقام القرب من الرب سبحانه كما في الحديث الصحيح "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" [مسلم "٤٨٢"] ، فمن قصد إيقاع دعائه في هذا المقام أو استغفاره فقد وفق للصواب وتعرض لنفحات الرحمن في المقام الذي أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن العبد أقرب إلي ربه فيه من سائر المقامات التي يكون العبد عليها كالقيام والقعود والاضطجاع فمن فعل السجود عند دعائه قاصدا به هذا المقصد مريدا به هذه الأرادة فنعم ما فعل.