فهذا فيه التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن يفطروا وأمرهم بالخروج لعيدهم من الغد والناس هم الموجودون إذ ذاك في المدينة وقد كان ترك الإفطار في ذلك لكون الهلال قد غم على أهل المدينة مع كون ذلك الوقت مظنة لظهوره فكان الترك من هذه الحيثية للبس عرض لهم في ذلك اليوم ثم تبين لهم الصواب.
وبهذا يندفع ما وقع الاعتراض به على المصنف.
وأما كون القاضي يقضي كما فات فذلك ظاهر ولكنه إذا تغير اجتهاد المجتهد قبل فعله للقضاء كان العمل على اجتهاده الآخر لا كما قال المصنف لأنه إنما انتقل عن الاجتهاد الأول لدليل قد ظهر له يجب العمل عليه ولم يكن قد فعل القضاء.
وأما قوله لا من قعود وقد أمكنه القيام فصحيح لأنه قد صار قادرا على القيام قبل القضاء فوجب عليه أن يقوم لزوال عذره ومع بقاء العذر يفعل ما بلغته استطاعته.
قوله: "وفوره مع كل فرض فرض".
أقول: هذه دعوى مجردة بل فوره أن يفعل ما يقدر عليه وهو يقدر على أن يأتي بصلاة الأيام المتعددة في بعض يوم.
قوله: "ولا يجب الترتيب ولا بين المقضيات".
أقول: يريد أنه لا يجب الترتيب بين المقضية والمؤداة ولا بين المقضيات نفسها لأن الجمع قد تعلق بمن عليه القضاء ولا دليل يدل على خلاف هذا حتى يتعين المصير إليه وأما من ترك الصلاة لنوم أو نسيان فقد عرفناك أن فعلها في وقت الذكر هو أداء لا قضاء.
قوله: "وللإمام قتل المتعمد" الخ.
أقول: قد دل على هذا كتاب الله عز وجل قال الله سبحانه: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: ٥] ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين [البخاري"٢٥"، مسلم "٣٦/٢٢"] ، وغيرهما من طرق "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة" الحديث.
وصح عنه في الصحيحين [البخاري "٤٠٩٤"، مسلم "١٠٦٤"] ، وغيرهما [أحمد "٣/٤"] أن خالد بن الوليد قال له في الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله اتق الله......, يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لا لعله يصلي".
وصح في صحيح مسلم ["١٣٤/٨٢"] ، وغيره أبو دأود "٤٦٧٨"، الترمذي "٢٦١٨"، ابن ماجة "١٠٧٨"، أحمد "٣/٣٧٠، ٣٨٩"] ، من حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة".
وثبت عند أحمد ["٥/٣٤٦"] ، وأهل السنن [الترمذي "٢٦٢١"، ابن ماجة "١٠٧٩"] ، من حديث بريدة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "العهد الذي بيننا وبينكم الصلاة فمن تركها فقد كفر"، وصححه النسائي والعراقي وأخرجه ابن حبان والحاكم.