وإذا لم يفرض له أجرة جاز له ان يأخذ من الزكاة بقدر عمله عليها من غير زيادة لعدم المسوغ للزيادة أما إذا كان ما فرض له آمره زائدا على مقدار عمله فإن ذلك الفرض مسوغ للزيادة لان أمر الصرف اليه وقد صرف إلي العامل المقدار الزائد على أجرته.
قوله:"وتأليف كل أحد جائز للامام فقط".
أقول: قد وقع منه صلى الله عليه وسلم التأليف لمن لم يخلص إسلامه من رؤساء العرب كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في اصحيح البخاري ["٨٨١، ٢٩٧١" ٧٠٩٧"] ، وغيره انه قال: "والله إني لأعطى الرجل وأدع الرجل والذي ادع احب الي من الذي اعطى ولكني اعطى اقوأما لما ارى في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل اقوأما إلي ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير".
وصح عنه [مسلم "١٣٧/١٠٦٠"] ، انه اعطى ابا سفيان بن حرب وصفوان بن امية وعيينة بن حصن والاقرع بن حابس وعباس بن مرداس كل إنسان منهم مائة من الإبل.
وثبت في صحيح مسلم انه اعطى علقمة بن علاثة مائة من الإبل ثم قال للانصار لما عتبوا عليه: "ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلي رحالكم" ثم قال لما بلغه أنهم قالوا: يعطى صناديد نجد ويدعنا "إنما صنعت ذلك لأتالفهم" [مسلم "١٤٣/١٠٦٤"] فالتأليف شريعة ثابتة جاء بها القرآن وجعل المؤلفة احد
المصارف الثمانية وجاءت بها السنة المتواترة فإذا كان إمام المسلمين محتاجا إلي التأليف لمن يخشى من ضرره على الإسلام وأهله أو يرجو ان يصلح حاله ويصير نصيرا له وللمسلمين كان ذلك جائزا له وهكذا يجوز لرب المال مع عدم الامام ان يتألف من يخشى منه الضرر على نفسه أو ماله أو على غيره من المسلمين ولأوجه لتخصيص الامام بذلك فإن المؤلفة مصرف من مصارف الزكاة ونوع من الأنواع التي جعلها الله لهم فكما يجوز لرب المال ان يضعها في مصرف من المصارف غير المؤلفة يجوز له أيضا ان يضعها في المؤلفة وهذا ظاهر واضح وأما إذا كان الامام موجودا فأمر الصرف اليه وليس للامام ان يتألف مع قوة يده وبسطة امره ونهيه ووجود من يستنصر به عند الحاجة لما عرف من ان علة التأليف الواقع منه صلى الله عليه وسلم هو ما تقدم عنه.
وأما قول المصنف: "ومن خالف فيما اخذ لأجهله رد" فهو صواب لأن الغرض من التأليف لم يحصل فلم يكن ذلك المؤلف مؤلفا فلا نصيب له في الزكاة.
قوله: "والرقاب المكاتبون الفقراء المؤمنون".
أقول: ظاهر قوله سبحانه: {وَفِي الرِّقَابِ} ان هذا النصيب من الزكاة يصرف في عتق الرقاب ولو بشرائها من ذلك النصيب وعتقها ولا يختص بالمكاتبين ولا بالمتصفين بصفة الايمان بل المراد الاتصاف بالإسلام.
وأما اشتراط الفقر فلا يخفى ان المملوك لا يملك شيئا من المال ولعل مراده من لم يكن عنده من المال ما يخلص رقبته من الرق أو على القول بأن العبد يملك.