أقول: هذا مصرف من المصارف المذكورة في القرأن ولأوجه لاشتراط الفقر فيه فان القرآن لم يشترط ذلك والسنة المطهرة مصرحة بعدم اشتراط الفقر فيه كما في حديث أبي سعيد بلفظ: "لا تحل الصدقة لغني الا لخمسة لعامل عليها أو رجل اشتراها بماله أو غارم أو غاز في سبيل الله"، أخرجه [ابو دأود "١٦٣٦"، وابن ماجه "١٨٤١"] ، وأخرجه أيضا أحمد "٣/٥٦"، ومالك في الموطأ والبزار وعبد بن حميد وابو يعلى والبيهقي والحاكم وصححه فهذا الحديث فيه التصريح بعدم اشتراط الفقر في الغارم ومن ذكر معه بل يعطى الغارم من الزكاة ما يقضي دينه وان كان انصباء كثيرة.
وأما اشتراط كونه في غير معصية فصحيح لان الزكاة لاتصرف في معاصي الله سبحانه ولا فيمن يتقوى بها على انتهاك محارم الله عز وجل.
قوله:"وسبيل الله المجاهد الفقير".
أقول: قد عرفناك ان حديث أبي سعيدالمذكور قريبا فيه التصريح بعدم اشتراط الفقر فيمن اشتمل عليه من جملتهم الغازي كما سبق وفي لفظ منه: "لا تحل الصدقة لغنى الا في سبيل الله أو ابن السبيل أو جار فقير يتصدق عليه".
فالسنة قد دلت على انه يصرف إلي هذا الصنف مع الغني والقرأن لم يشترط فيه الفقر فلم يبق ما يوجب هذا الاشتراط بل هو مجرد رأي بحت فيصرف اليه ما يحتاجه في الجهاد من سلاح ونفقة وراحلة وان بلغ انصباء كثيرة لأوجه لاشتراط الايمان بل كل مسلم مصرف لذلك إذا بذل نفسه للجهاد ولا سيما إذا كان له شجاعة واقدام فإنه احق من المؤمن الضعيف.
قوله:"وتصرف فضلة نصيبه لا غيره في المصالح مع غنى الفقراء".
أقول: لم يرد ما يدل على اختصاص هذا الصنف بصرف فضلة نصيبه في المصالح وأما حديث ام معقل الاسدية ان زوجها جعل بكرا في سبيل الله وانها أرادت العمرة فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأمر زوجها ان يعطيها وقال: "الحج والعمرة في سبيل الله" أخرجه أحمد ["٦/٤٠٦"] ، وأهل السنن [أبو دأود "١٩٨٨"، الترمذي "٩٣٩"، ابن ماجة "٢٩٩٣"] ، وفي إسناده رجل مجهول فلا يدل على المطلوب وهو صرف فضلة نصيبه في المصالح لان النبي صلى الله عليه وسلم وسلم جعل الحج والعمرة من سبيل الله فلا يلحق بهما غيرهما من المصالح وقد روى هذا الحديث أبو دأود من طريق اخرى ليس فيها الرجل المجهول.
وقد ورد في صرف فضلة نصيب الزقاب في المصالح ما هو اصرح من هذا فأخرج البيهقي في سننه الكبرى عن يزيد بن أبي حبيب ان ابا مؤمل أول مكاتب كوتب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلي الله عليه:"اعينوا أبا مؤمل" فأعين ما أعطى كتابته وفضلت فضلة فاستفتى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فامره ان يجعلها في سبيل الله.