أقول: الاحاديث الواردة في صيد البر قد بينت معنى قوله سبحانه: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً}[المائدة: ٩٦] ، وقد جمعت بينها في شرحي للمنتقى بما حاصله انه يحرم صيدالبر على المحرم إذا صاده بنفسه أو صاده محرم آخر أو صاده حلال لاجل المحرم لا إذا صاده حلال لآ لأجل المحرم فإنه يحل له إذا لم يعنه عليه أحد من المحرمين وبهذا يحصل الجمع بين حديث أبي قتادة [البخاري "٦/٩٨"، مسلم "٥٨/١١٩٦"، أبو داود ":١٨٥٢"،، اليترمذي "٨٤٧"، النسائي "٥/١٨٢"، ابن ماجة "٣٠٩٣"، أحمد "٥/١٨٢"] ، وحديث الصعب بن جثامة وسائر ما ورد في الباب فارجع إلي ذلك فإنه بحث نفيس.
قوله:"وفيها الفدية" الخ.
أقول: لم يرد في هذه المذكورات ما يدل على لزوم الفدية والاصل البراءة فلا ينقل عنها الا ناقل صحيح وقد ورد القرآن الكريم بلزوم الفدية للمريض ومن به اذى من رأسه إذا حلق رأسه كما يفيده أول الآية فيقتصر على ذلك والتشبث بالقياس غير صحيح.
وهكذا قوله وكذلك في خضب كل الاصابع إلي آخر البحث لا دليل يدل على لزوم الفدية في شيء من ذلك وبالجملة فلم يرد في إيجاب الفدية في شيء من هذه الامور كتاب ولا سنة ولا قياس صحيح ولا إجماع بل لم يرد في الحكم بحظرية بعضها على المحرم ما يصلح للتمسك به وإيجاب ما لم يوجبه الله هو من التقول على الله بما لم يقل.
قوله:"وقتل القمل مطلقا".
أقول: لم يرد ما يدل على ان هذا من محظورات الاحرام والتعويل على القياسات التي هي مجرد دعأوى على القياس لا تثبت الحجة بمثلها وقد أذن صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة كما في الصحيحين [البخاري "١٨١٦"، مسلم "٨٥/١٢٠١"] ، وغيرهما [أبو داود "١٨٥٦"، الترمذي "٩٥٣"، النسائي "٥/١٩٤"، ١٩٥"] ، ان يحلق رأسه بعد ان رأى القمل بتناثر على وجهه وأوجب عليه الفدية لأجله لا لأجل القمل فإنه لم يأمره بشيء في ذلك ومعلوم ان جميع ما كان في رأسه من القمل قد ذهب عنه بذهاب الشعر وهلك بالقائه على الارض وهكذا لا وجه لقوله وقتل كل متوحش فإنه لا يصدق عليه انه صيد حتى يندرج تحت قوله سبحانه:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً}[المائدة: ٩٦] ، ولا وجه لايجاب الجزء في ذلك مع أن غالب المتوحش من الحيوانات أنه يخشى منه الضرر وقد نبه صلى الله عليه وسلم على علة النهي عن قتل الخمس المستثناة بما ورد في رواية صحيحة من الحاق "السبع العادي" بها فقال والسبع العادي والوصف بالمشتق مشعر بالعلية وقتله لاجل عدوه وكل ما يعدو له حكمه.
والظاهر انه صلى الله عليه وسلم نبه باستثناء الخمس المستثناة عن كل ضار وان العلة في جواز قتلها هو كونها ضارة فيدخل في ذلك كل ضار والقمل من جملة ما يتضرر به الإنسان فضلا عما له مدخلية في الضرر زائدة على القمل.